لا أعلم لماذا أضفت أرقاما متسلسلة لهذه التدوينات، فحتما ترتيبها ليس متتابعا. من قال بأن التعامل مع فقد الفريدة يسير وفق وتيرة معينة وبتسلسل معروف مسبقا؟ هي تجربة جديدة ومتفردة الثابت فيها بإذن الله هو الرضا واليقين بالجبر، عدا ذلك فهو طوفان مشاعر مختلفة ومتضاربة وغريبة وجديدة، شئ يعكس تفردنا كبشر، وفرادة فريدتي حبيبتي والتي أشعر أنني أفتقدها فقدا عظيما رغم أنني قررت أن أتعامل مع الوضع حاليا وكأنها مسافرة لمكان تحبه سفرا مفتوحا. لطالما عشقت فريدتي السفر ، وكرفيق فيه، فهي أكثرنا طواعة وإيجابية وانفتاحا للتجارب الجديدة فيه. لا نذكر يوما أنها فرضت رأيها أو اعترضت، وفي المرات التي لا تذكر والتي تعترض فيها، تفعل ذلك بطريقة سهلة تضمن أن لا تتأثر المتعة ولا يتكدر أحد. إحدى هذه المرات كانت حين رافقتني فيها لحفل تخرجي ببريطانيا والتي قررنا فيها أن نقوم برحلة متكاملة نجوب فيها أرجاء المملكة المتحدة، وآخر محطة كانت معشوقتي لندن. ولمن يعرف فاتنة العواصم المغرورة تلك، يدرك أن ٨٠٪ من المتعة فيها تكمن في المشي في شوارعها واكتشاف أزقتها، ولا أحد يعشق المشي وعلمنا حبه قدر الفريدة. فما كات مني سوى أن جعلتها تمشي وتمشي حتى أوقفتني في وسط الطريق ونحن في طريقنا لحضور مسرحية The Lion King، والتي كانت ستحضرها فقط مجاملة لي وللأولاد، وقالت بغضب بسيط (هتون إنت ما تستحي؟؟؟ لك ساعة تقولي باقي خمسة دقايق، خلاص أهجدي واطلبي تاكسي)، واستوعبت وقتها أن من حقها أن تتعب ولكن لأنها أفضل وأجمل رفيق سفر، فهي لا تعترض، وكانت هذه إحدى المرات القلائل التي توبخني فيها في رحلة من الرحلات وكنت أستحق، هذا خلاف الأيمان التي أقسمتها أن لا تسافر بالقطار بعد أن تعبت أعصابها خلال زياراتها لي وقت الابتعاث حين كنا نسافر كثيرا به قبل أن أتعلم القيادة، ونجر الحقائب وعربة أواب حين كان صغيرا، ومرات يفوتنا القطار بعد أن نكون قد أوشكنا على اللحاق به، فنقف لاهثي الأنفاس ونحن نراه يتحرك أمامنا، فتنظر لي الفريدة وتقول (خلاص ما صار شي، لعله خير، نلحق اللي بعده)، وأنا أعرف يقينا أنها مجهدة ومتعبة، ولكني كنت أصدق أنها دائما وكما عودتنا، بخير.
حسنا يا فرودة، سأخبرك عن ذاك اليوم العصيب الذي سمعنا فيه خبر رحيلك. قد أخبرك بالتفاصيل الدقيقة عن وقع الخبر علي في وقت لاحق، لكن الآن، سأحكي لك عن عمق النوم الذي غشاني به الله بعد نهاية يوم خلته الأطول في حياتي. لا تغضبي مني يا حبيبتي، نعم نمت، وبعمق شديد في نفس اللحظة التي لمس فيها رأسي الوسادة. رحلت في الصباح، وصلوا عليك صلاة المغرب، وأذكر أني في حدود الساعة الثانية عشرة ليلا، زحفت زحفا للفراش بقدمي المكسورة، واندسست فيه ولم أشعر بنفسي سوى وقت آذان الفجر. نمت ما يقارب الخمس ساعات، وهو متوسط عدد ساعات نومي كما تعلمين، ولطالما وبختني على قلة النوم بعبارات على شاكلة (تحبي الشقا، ايش مصحيكي قد كدة بدري؟ انت ما تعرفي ترتاحي؟). كيف نمت؟ قلبي المحترق وعقلي الصاخب الذي يحاول الاستيعاب وكل الأصوات المدوية في رأسي، كيف نمت؟ فكرت كثيرا في تلك اللحظات العجيبة، حاولت إيجاد تفسير منطقي لكيف نمت في ليلة قال الجميع بأنهم لم يتمكنوا فيها من الغفو لحظة. استرجعت ردود أفعالي في ظروف وفاة أخرى، كنت أجد صعوبة في النوم، عقلي كان ينشغل بكل أهل الميت وكيف سيتعاملون مع الأمر وماذا أستطيع أن أفعل لهم وكيف سنكون مصدر عون، وأكثر من كنت أفكر فيها هي فرودة حين توفى أشقائها رحمهم الله على فترات متباعدة وغيرهم من أفراد عائلتها. أما حين كانت هي من ذهبت، أفكر في من؟ شعرت بأن الكون تقلص وأن الحزن في قلبي لا يسعه تفكير في أي شخص ولا أي حدث، خواء في العقل رغم صخب الأصوات، فراغ في القلب رغم القهر، فنمت بعمق غريب، ليصدمني الشريط حال استيقاظي، ولازال.
لا شئ أكثر للآن يا فرودة، كلنا بخير. بيتك يا حبيبتي عامر. أحاطنا الأهل والأحباب برعاية وحب جعلتنا عاجزين حتى عن الرغبة برد الجميل لهم. نحن نحصد ما زرعته يا حبيبتي. أنت من نثر الحب في كل مكان، أنت من احتوى الجميع، أنت من كنت تتصلين بأي شخص سافر والداه أو تغيبوا لأي سبب وتدعيه لغداءك الأسبوعي مع أسرتك حتى لا يشعر بالوحدة، أنت من كنت تذهبين لكل المناسبات السعيدة والحزينة محملة بأطايب المأكولات، أنت من كنت تتأكدين من صنع الطعام المفضل لمن تذهبين لهم حتى يسعد قلبك برؤية الرضا في أعينهم، أنت من كنت تبتكرين المناسبات فقط ليتجمع أحبابك القريبين والبعيدين، وإذا تضجر أحدنا من التعب والمجهود الذي يصاحب هذه المناسبات رمقته بإحدى نظراتك (بطلوا ضياقة العين، كله يصير)، وكان فعلا (كله يصير) وعلى أكمل وجه، لأنك كنت أنت. لا شئ سيعود كما كان، وهذا الفراغ لن يمتلئ، ووحده رب العباد كفيل بالجبر، والحمد لله على قضاءه وقدره وجميل صنعه.
فقط ملاحظة، لازلت لا أريد إخبارك عما يحصل في غزة ولا عن الإبادة الجماعية التي يقوم بها ذاك الكيان المغتصب دون رادع، ولكن نعدك أن نكثف الدعاء كما كنت تفعلين دائما، دمت منعمة يا باهية عند رب بإذن الله راض عنك غير غضبان.
هتون،
٣/١١/٢٠٢٣
الله يرحمها ويجعل مستقرها الفردوس الاعلى مع الحبيب المصطفى ويرحم جميع امواتنا واموات المسلمين يارب امين 🤲🏻
الله يرحمها ويغفر لها ويجعل قبرها روضة من رياض الجنة 🤲 ويرزقك برها بالدعاء الخالص الدائم والصدقة وحفظ القرآن وخالص الأعمال ، حفظكم الله حبيبتي وربط على قلوبكم على فراقها ،
الله يرحمها ويغفرلها ويجعل مثواها الجنه الفقد صعب يااااارب يصبرك ويجبر قلبك
الله يجبركم يااارب … كل حرف تكتبيه يوجعني وكاني اعيش الموقف
ربي يجعلها و إيانا جميعاً في أعلى مراتب الجِنان مع الأنبياء و الصديقين و الشهداء و ربط على قلوبكم و أنزل عليكم سكينةً من عنده و جعلكم من الصابرين { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ، { و جزاهم بما صبروا جنةً و حريرا }
الله يرحمها ويغفر لها ويجمعك معها في مستقر رحمته ويرحم بابا واموات المسلمين اجمعين