خلاصة RSS

لعنة مثبت السرعة

Posted on

“ماشاء الله شاطر خلاص فزت وحنعطيك الجائزة” “يعني لو بس رجلك الكريمة ترضى تدعس فرامل ما كان صار هذا حالك” “حسبي الله ونعم الوكيل في اللي قالك إنك تعرف تسوق”

ما سبق هو بعض العبارات التي أقولها في نفسي بعض الأحيان حين أرى بعض التصرفات الغير معقولة في الشارع، والتي في المقابل يقول مثلها وربما أكثر منها الآخرون حين أتصرف تصرفات أو ارتكب أخطاء يراها البعض لا تأتي من شخص قاد سيارة ولو لخمس دقائق في حياته 😄. ولنعترف، كلنا نخطأ وترتكب فظائع بسبب قلة التركيز أو أحيانا بسبب بسوء التقدير، ولعل غياب التواصل مع رواد الطريق يجعلنا دائما نفترض أنهم متعمدين أو أن ما يفعلونه هو سلوك أصيل ورغبة أثيرة بإزعاجنا، لذلك حتى أكثرهم حلما تجده يغضب ويصرح بأن كل من يقود في الطريق غير آدميين ولا ينتمون لفصيلة البشر.

ماعلينا من هذا، ما يجعلني فعليا أتأمل وأمعن في التفكير هو مثبت السرعة. سمعت من الكثيرين عن مدى روعة مثبت السرعة وأنه اختراع عظيم إذا لم يوجد في السيارة فمن الأفضل لك ألا تقود لأن كل المتعة ستزول. وجدت بالمصادفة أن هذا المثبت، رغم غياب غالبية الميزات التقنية عن سيارتي الجميلة مثل المستشعرات والتي جعلتني “أدجدها” من عدة جهات، موجود في سيارتي، وبسبب آهات الاستنكار التي سمعتها من الجميع بأن (من جدك عندك مثبت سرعة وما تستخدميه؟؟؟؟ لا وكمان تمسكي خطوط من غيره؟؟؟؟ معليش بس إنت من جد دكتورة وهذا عقلك؟ خلف الله على كل الدكاترة)، قررت عندها أن استخدمه.

وفعلا، ونظرا لأنني كثيرة الارتحال لمكة المكرمة ودائما استخدم طريق مكة-جدة السريع، والذي هو بالمناسبة أقصر وأسرع من الكثير من الطرق وسط جدة والتي قد تقضي فيها ساعتين أوقات الذروة، ولا أفهم فعليا استنكارات أهل جدة للذهاب لمكة (يا الله من جدك رايحة مكة؟ الله يعينك على الطريق)، المهم أنني توكلت على الله واستخدمت المثبت.

ويا سلااااااام، لماذا لم استخدمه منذ البداية 😍. وجدت بأن قدمي بعدم دوسها على البنزين أضحت ملكة وسعيدة، وكأن عملية الدوس تلك كانت عبئا ثقيلا عليها وليس شيئا طبيعيا جدا، لدرجة أنني استغرقت في أحلام اليقظة وتخيلت نفسي أجلب معي “سبا” ومساج للقدم في السيارة، فأنا هنا يا رفاق لا أحتاج للدوس على البنزين، لدي مثبت سرعة، هل لديكم مثله؟ هل جربتموه؟ ما أكثر ما فاتكم من نعيم هذه الدنيا. وطبعا، حين تكون القدم مرتاحة من الدوس على البنزين، تصبح راغبة أيضا بعدم الدوس على الفرامل، وعندها بدأ لدي سلوك عجيب لم أعهده في نفسي. وجدت أنني أنا القائدة الدفاعية والتي لا هدف لديها في الطريق سوى الوصول بسلامة مع بعض الاستمتاع ببرامج البودكاست والموسيقى أصبحت هجومية ولا أرغب بأن يضطرني أحد للدوس على الفرامل والاضطرار ل”كنسلة” المثبت ولو لدقيقة. فوجدت نفسي أغير مساري باستمرار وتنتفخ أوداجي غضبا إذا هدأ شخص من سرعته واضطرني لتهدئة سرعتي بعدا أن وجدت أنه من المستحيل أن أغير المسار. وأصبح هذا حالي وطريقتي في القيادة، مثبت سرعة، هدف أن لا تدوس قدمي على الفرامل، وخلال هذه الرحلة، فليكن ما يكون من تغيير مسارات بكثرة وتكشيح لمن أمامي وكأني سيارة إسعاف رغم أن كل مافي الموضوع هو أن قدمي أكبر وأفضل من أن تدوس على الفرامل ومثبت السرعة أصبح صنما غير قابل للتكسير.

وقررت فجأة أن اعتبر مثبت السرعة غير موجود. أعلم أن هناك طرقا لاستخدامه وأنه من الممكن أن استفيد من ميزاته دون أن يؤثر ذلك على سلوكياتي في الطريق، ولكني وجدت أنني استمتع أكثر بتغيير السرعة والتماهي مع الطريق، وقد أستخدم المثبت فعليا في حال السفر الطويل في طرق غير مزدحمة، ما عدا ذلك فلن استخدمه.

وما جعلني أفكر أكثر هو أن فكرة تثبيت السرعة نفسها لا تتوافق مع طبيعة الحياة. فمن قال بأنها مسابقة؟ أليس التماهي والمرونة وتغيير السرعة على حسب الظروف والمتغيرات هي العقلية التي تجعلك تصل لأهدافك بطريقة أفضل وأكثر ثباتا وإن لم تكن الأسرع؟ ما فائدة السرعة إذا كانت النتيجة تلف أعصاب واحتراق وضغط على الآخرين بطريقة قد تصل لإغضابهم أحيانا؟ من يعمل عند الآخر؟ هل الوقت هو المسخر لي أم أنني أنا التي يجب أن أسابقه وأحاربه وإن لم أكن مضطرة؟ أليست مهارات التكيف والمرونة وتقبل التغييرات هي التي جعلت البشر يتجاوزون المحن والعوائق ويتقدمون للأمام ويصلون لأهدافهم بسرعات مختلفة ومتكيفة مع الظروف؟

في سنوات حياتي والتي لا تعتبر أبدا قصيرة، لم أجد شخصا متعنتا يغضب للتغييرات ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا تأثرت خططه ولم تمش الدنيا حسب رغبته ووجدته سعيدا وراضيا ويتمتع بمحبة الآخرين، إنما دائما تراه متذمرا متشكيا وكل العالم متحزبا ضده، وغالبا لا أحد يرغب بالتخطيط لشئ معه ويحشونه من وراءه (يوووووو جاكم القلق دا الله يعينكم).

شخصيا، لا أرغب بأن أكون شخصا “قلق”، ولا إنسانا متذمرا شاكيا لا يقبل التغيير ومستعدا لعمل أي شئ، حتى إزعاج الآخرين، فقط ليصل لهدفه في التوقيت الذي وضعه هو وبالسرعة التي قررها بأنها هي المناسبة، ما أجمل أن تكون مرنا هينا لينا تخطط وتضع الأهداف وفي المقابل تقبل أن التغيير قد يحصل وتتماشى مع ذلك.

وما أكثر فلسفاتك يا هتون، وقفي مثبت السرعة بدون هرج كثير ماله داعي 😂، ضيعتينا الله يسامحك.

هتون زهير قاضي،

١٩/٣/٢٠٢٣

أنا نجم بس مفيش سماااااا

وبعدين كل ما أخد خطوة أرجع إثنين
العمر بيجري سابق السنين
أنا شاب لكن من جوه عجوز
عندي جناحات بس محبوس

مجروح بنزف طموح
بدمي بكتب كلامي وأبوح
بسرح بتخيل بروح
بغني ترد فيا الروح

يمكن ده مش مكاني أو الزمن ده مش زماني أو أنا موهوم
يمكن خيالي وداني لدنيا أو لعالم تاني أو أنا مجنون
أو يمكن

أنا نجم بس مفيش سما
عندي جناحات بس مفيش هوا
أنا نجم بس مفيش سما
عندي جناحات بس مفيش هوا

كنت في السيارة مع ابن أختي مهند بالرياض في آخر يوم من أيام منتدى مستقبل الاستثمارFII، والذي كان في رأي أفضل حدث حضرته في العام، كنت في حالة غريبة من الشعور بالرضا والطموح مع شعور خفي أصبحت أتقبله كجزء أصيل من شخصيتي وهو أنني لازلت لم أفعل شيئا في حياتي وأن العالم تقدم وأنا لا زلت لا أبرح حتى أبلغ شيئا لا أعلمه. تدربت حرفيا على التعامل مع هذا الصوت بمناقشته بالمنطق والحقائق والتي تدحض ادعائاته. ما علينا، فهذه كما أسلفت حالة هتونية لا منطقية أسميناها في العائلة حالة (الهتن)😄، ولعل وجود مهند معي في السيارة وهو المتخصص بحالات الهتن نظرا لقربه الشديد مني طمأنني بأن الحالة لن تستمر، حتى قام بتشغيل أغنية (أنا نجم) لفرقة كايروكي المصرية والتي كتبت مقاطع منها في بداية التدوينة.

يا الله يا الله. أعادتني الأغنية لمكان مظلم جدا من عدة سنوات، لفترة من حياتي كنت فعليا أشعر فيها بأنني لست فقط عديمة الجدوى وأن الأكسجين الذي اتنفسه هو حق مغتصب من إنسان آخر يستحقه أكثر مني، بل كنت أشعر بأن الكنبة التي أجلس عليها، والتي اشتريتها بحر مالي الذي اكتسبته بتوفيق الله ثم جهدي، تنبذني وتحتقرني. كنت وكأني أسمع صوتها وهي تقول (من جد لك وجه تجلسي عليا؟ هذه الجلسة يا هانم استحقاق وليست حق، هيا للمنجزين اللي أدوا دورهم في الحياة فاستحقو تبطيحة مريحة ومسلسل. تعرفي، حلو على قلبي يناموا عليا المنجزين مع إني مو سرير، بس انت🙄؟) نعم، كنت أنا، ولا أحد غيري المسؤولة الأولى عن تعطيل عجلة التنمية.

حسنا أيها السادة، فلنتفق أن هذه مساحة حرة آمنة خالية من الأحكام😅، ومن قرأ كتابي يعرف بأنني لك أكن لأكتب ما كتبت لولا أنني كنت مسبقا قد أحضرت (الايجو) الخاص بي وصليت عليه صلاة الميت وتحررت بعدها من المحالولات المستميتة لرسم صورة مثالية عن نفسي، فلنكمل إذا بعد هذا التنويه😄.

كنت أشعر بأنني نجم بس مافيش سما، أعلم وأدرك تماما حجم إمكانياتي ومكتسباتي والتي أستطيع قياسها بالشهادات العلمية والخبرة العملية بالإضافة لعملي الإعلامي والذي حقق نجاحا استثنائيا في فترة مليئة بالتحديات، ولكن كل هذا معطل. كل هذه الطاقة محبوسة ومكبلة، كنت فعليا:

وبعدين سامع جوه مني صوتين
صوت سابقني والتاني قديم
صوت يدل، وصوت يضل
صوت يحرر، وصوت يشل

وبعدين أروح لمين؟
بحلم ببكرة أنا طول الليل
يجي النهار وأصطبح
كل اللي حلمته بيتمسح

أوقات بحس إني سابق
إنتوا عايشين في الماضي وأنا معاه بتخانق
مكان أنا شايفه مش هنا
أحلامي أقوى مني ومكملة

صوتي الداخلي كان أعلى من أن اتجاهله، كان ينهشني ويمنعني من عيش تفاصيلي اليومية دون الشعور بالتأنيب. زارتني يوما صديقتي المقربة، والتي عرفنا سويا بالتخاطر، وسألتني مابي. أخبرتها ببساطة أنني طاقة مهدرة، وحين يسألني الله عن عمري فيما أفنيته وشبابي فيما أبليته لن يكون لدي إجابة. كل هذا لأنني لفترة بسيطة لم أكن على قدر توقعاتي من نفسي. وكشخص يستمد شعوره بالقيمة والتقدير مما يفعل وينجز، كنت مرجلا يغلي ويغلي وبدل أن ينفجر، يخبو ويذبل وينتهي. ماذا أفعل يا الله بهذه الطاقة؟ كيف أصرفها؟ كيف أتعامل مع هذا الصوت الداخلي الذي ينهشني؟ ولعل السؤال الأكبر، هل فعلا كل مكتسباتي لها قيمة أم أنها حتى هي لا فائدة حقيقية منها؟ يا رب لك المشتكى.

الغريب في الموضوع، وهو ما اتذكره واستغرب، هو أنني لم أكن خالية تماما وقتها. كنت قد أنهيت كتاب (١٩٨٠، بين جيلين) وبدأت في تسويقه وحقيقة كان استقباله من القراء حافلا وتمت لحد الآن مناقشته في أكثر من عشر نوادي كتب، ولكن لم يكن هذا كافيا، إن لم أكن على قدر توقعاتي من نفسي فلن اتوقف عما أفعله بنفسي، أعانك الله على هتون يا هتون. طبعا لم تستمر تلك الحقبة لوقت طويل، وفرجها الله كما يفرج كل كرب وكما يفتح كل منغلق، ولكن، هل على قدر الطاقة؟ لا أدري صراحة. عملي في التعليم هو رسالتي في الحياة. لمعة عيون طلابي حين يستوعبون مفهوما جديدا، حين يخبرونني بمدى فائدة ما ناقشناه في أحد الفصول وكيف أفادهم في حياتهم العملية كلها أشياء تشعرني بمدى قيمة ما أقدمه. أما ال (هتن)😄، فلعله قدري في الحياة. كما أسلفت حين يلح علي هاتف (أنت لست كفاية) لا أقاومه، بل آخذه معي و(أفجر جبهته) كما يقولون بالحقائق حتى يتلاشى بنفسه. السؤال الأهم، هل لازلت أستمد قيمتي فقط مما أفعله؟ للأسف لازلت أحاول أن أهذب نفسي وأقنعها بأنني كإنسان، كرمني الله وسخر الكون لي وأن قيمتي هي في إنسانيتي وكينونتي وليس فيما أفعل، ولكنه لازال صراعا لم نعلن فيه فائزا بعد. أحيانا أفكر بأن صراعاتنا الداخلية، مشاعرنا الصعبة والمضطربة كلها جزء من خلق الإنسان في كبد. من قال بأن البلاء يجب أن يكون محسوسا؟ سنؤجر على مشاعرنا الصعبة التي نكابدها بإذن الله، ونسأل الله أن يجعلنا دائما نجوما مشعة في سماوات صافية.

هتون قاضي

٥/١١/٢٠٢٢

%d مدونون معجبون بهذه: