خلاصة RSS

Monthly Archives: أوت 2022

الخيبات

Posted on

هل من اللائق أن يتحدث الإنسان عن خيباته؟ يلح علي هذا السؤال كثيرا. كشخص يزعم أن لا مشكلة لديه في التحدث عن خيباته وإخفاقاته، إلا أنني وجدت بأنني لست بذاك الصدق مع نفسي في هذه النقطة. نعم، لا مشكلة لدي بالاعتراف بأخطائي والتندر عليها، كما أنني اتحمل مسؤوليتها كاملة وبتطرف أحيانا. ولكن، هل أستطيع بذات السهولة التحدث عن صراعاتي الداخلية؟ عن مشاعري المتضاربة؟ عن تأرجحي بين الحزن والرضا من غياب أساسيات في حياتي؟ عن محاولاتي الدائمة لترضية نفسي بإخبارها أنه من العادي جدا أن يكون في حياتنا نقص، وأن علي النظر للجزء الممتلئ من الكأس، ولكن هل هذا أصلا ممكن؟ إذا كان النقص حقيقة مؤلم، هل لازالت نظرية الكأس الممتلئة صالحة للاستخدام؟ هل من العدل أن أطلب من شخص متألم ويعاني من غياب شئ بأن عليه التقليل من قيمة هذا الشئ فقط ليكون إنسانا جيدا وممتنا؟ هل من الممكن أن يكون الشخص واقعيا وراضيا وحزينا في ذات الوقت؟

فلسفيا، قد يكون من المفيد أحيانا أن يتوقع الشخص أسوأ السيناريوهات ويستعد لها ويحاكيها، وسيكتشف عندها بأن قلقه من وقوعها أشد وطأة من وقوعها الفعلي. هذا النمط من التفكير يعتبره الكثيرون في عصر “دلاخة التفاؤل” تشاؤما وسوداوية، في حين أنها قد تكون نظرة عقلانية واقعية ليس إلا.

مثلا، أنت حاليا وحيد وتحتاج لشريك. ماذا إذا عشت وحيدا طوال عمرك؟ مالذي سيحدث؟ هل ستموت كمدا؟ غالبا لا. هل لديك صداقات وطيدة؟ قد لا تعوض الوحدة ولكنها ستزيد من جودة حياتك وتحسنها. هل كنت متزوجا سابقا ولديك أبناء؟ قد يتزوج أبنائك وينجبون لك أحفادا يدخلون السرور على قلبك. لديك عائلة ممتدة معروفة بالترابط؟ حسنا، هذا أمر جيد وسيساهم في جعلك تكبر وسط أناس يحبونك ويسألون عنك. هل تعمل؟ ممتاز، إذا سيكون لديك دخل ورعاية صحية تضمن لك عدم الحاجة. إذن نعم، الوحدة مؤلمة، والاحتياج العاطفي مضن ومتعب، وقد يبدو لك أن فرص إيجادك لشخص تحبه ويحبك وتتواؤم ظروفكما واحتياجاتكما شبه معدومة، ولكن هذا مدعاة للحزن وليس للهيستيريا، وشتان بينهما.

ما ذا إذا لم تتملك بيتا طوال عمرك؟ حسنا، لاداعي للجنون واستحضار المآسي. ما اسوأ السيناريوهات المحتملة؟ العيش بالإيجار؟ فليكن. قد يتطلب هذا منك العمل الدائم والمستمر دون كلل، ولكن أليس هذا نمط حياة معروف عند الكثيرين وبات من الممكن أن يعمل الإنسان حتى بعد سن التقاعد لتأمين دخل ولشغل الوقت؟هل ستتركك زوجتك لأنك وعدتها بالبيت ولم توف؟ حسنا هذا مؤلم، ولكن لو حدث فماذا ستفعل؟ تقتل نفسك حزنا وكمدا؟ أم تتعلم الدرس وتخطط أفضل للمستقبل؟ المحصلة أنك ستحزن، ولكن لن تفقد السيطرة إذا كنت واعيا.

ماذا إذا فقدت وظيفتك الحالية؟ يا الله لن أتحمل هذا. لدي قروض والتزامات، قد أفقد عقلي وصوابي. تعقل عزيزي قليلا، استحضر كل السيناريوهات وحاكها تماما. فقدان وظيفة دون تأمين أخرى أمر سئ ولا أحد يتمناه، ولكن لا أحد محصن ضده. هذا العالم هش، ومهما بدا نظام ما قويا ومتماسكا وعصيا على التفكك إلا أن كل شئ ممكنا، وما نحن إلا بشر ضعفاء نعيش في كنفه تعالى وأماننا وثقتنا فيه هو فقط وليس في أي نظام أو وظيفة. لن تتمكن من دفع قسط سيارتك؟ قد يأخذونها منك؟ بيتك الذي اقترضت من أجله؟ سيأخذونه؟ كلها قد تكون سيناريوهات محتملة، وضعها في عين الاعتبار والاستعداد نفسيا لها قد يساهم بصورة كبيرة من التقليل من القلق والتوتر واللذان لا طائل منهما سوى إفساد حاضرك بتصورات أكبر مما هي عليه حقيقة.

الخيبة والإحباط أمور سيئة، ولكن قد يكون تقبل وجودهما كحقائق حياتية أمر عقلاني وطريق للصحة النفسية. لن تكون الأمور دائما بخير، ولكن الخير الحقيقي هو تقبلها وتقبل المشاعر المصاحبة لها دون تجميل أو تغليف بائسين. نعم أنت حزين ولكنك لست بائس، أنت متألم ولكنك لازلت حيا، أنت محبط ولكنك مدرك لمشاعرك وملم بظروفك، وكل هذا خير.

تمنياتني لك عزيزي القارئ بكل الخير، وفي كل الظروف.

هتون قاضي،

أغسطس، ٢٠٢٢