خلاصة RSS

Monthly Archives: جانفي 2012

ليلة غاب فيها (اللوشن)

و لله الحمد و منه المنة، تم حفل عقد قران شقيقتي الصغرى على خير، لم يتسنى لي الحضور بسبب تواجدي في بلاد الفرنجة و لكن (أهل الخير) لم يقصروا و تم نقل الحفل حياً على الهواء .و من منبري هذا أتوجه بخالص الشكر للأخ (واتس أب) و أعوانه من سكايب و غيرهم و الذين قربوا لنا البعيد و أبقونا على تواصل (اذا تغاضينا طبعاً عن الهوائل المرسلة عن طريق الواتس أب).
و طبعاً كعادتي، أظهرت التجلد و الترفع في حين أنني أتحرق شوقاً و رغبة في التواجد مع أهلي في هذه المناسبة، و لكن جبار المنكسرين تحنن على ضعفي و أرسلني في إجازة نهاية أسبوع غير مخطط لها لعاصمة الضباب لندن.
وصلنا الفندق و تناولنا العشاء في مطعم ياباني، و لمن جرب تناول الطعام في أحد هذه المطاعم (و التي يتم فيها طهي الطعام أمامك) فسيعلم حجم (البخور) الذي ستتنشقه و يعلق في ثيابك، و لن تشعر بفداحة الرائحة حتى تخرج للشارع و تلاحظ أن رائحة ثيابك من الممكن شمها عن بعد ميل كامل، و طبعاً دخلت عائلتي ببخورها الفندق بعد الوجبة و كان الوضع ليس كووولاً أبداً رُغم أن ذهابنا للمطعم الياباني في حد ذاته يعتبر خطوة متقدمة في مشروع (العائلة الكووول) و الذي يقتضي عشق الياباني و الإيطالي و الفرنسي و الترفع التام عن الشعبي.
بدأت روتين الاستعداد للنوم و أخرجت حقيبة الأدوات الشخصية بحثاً عن الكريم المرطب (اللوشن باللغة الكولية) و مزيل مساحيق التجميل لأفاجأ بنسياني لكليهما. طبعاً من يعرفني شخصياً يعرف زهدي الشديد في استخدام أدوات التجميل و أن علاقتي اليومية بها لا تتعدى الأدوات البسيطة التي تضع الحد بين المنظر (المفقع) و المنظر النشيط (الفريش)، أما هرطقات (النايت كريم) “مرطب المساء” و (الداي كريم) “مرطب النهار” و كريم الهالات السوداء و الحمراء و زبدة الركب و كريم تفتيح مسامات الطبقة الأقحوانية من البشرة السفلية و الطبقة العلوية فمعرفتي بها لا تتعدى معرفتي بالكائنات الأسطورية ،و دائماً ما أشعر بأن الإعلانات التي تسوق لهذه المنتجات تخاطب الجميع باستثناءي شخصياً، لكن طبعاً لا أستغني عن مرطبي اليومي و هو مثل ( الثوب الأخضر في كل محضر) يستخدم في الصباح و المساء و ما بينهما من أوقات مشتبهات بالإضافة لمستحضر إزالة أدوات التجميل و الذي أزيل به آثار مساحيقي التجميلية و التي هي مثل (عُد غنماتك يا جحا) لا يزيد عددها عن أصابع اليدين ( ليس اليد الواحدة، عندي أشياء مو مرة ما عندي :)).
نسياني لهذين المستحضرين أشعرني بورطة شديدة، فماذا سأفعل بآثار قلم الكحل و الذي (ساح) و استباح كامل صفحة الوجه؟؟ ماذا سأفعل بدون المرطب في هذا الطقس البارد الجاف؟؟
فجأة شعرت بحالة رثاء لحالي، ألهذه الدرجة أنا عاجزة؟؟ ألهذه الدرجة غياب علبتين صغيرتين يضعني في ورطة؟؟
كم من الأشياء تعلقنا بها و ربطنا أنفسنا بها و غيابها يشكل بالنسبة لنا ورطة تستعصي أمامها الحلول؟؟
ماذا عن معجون الأسنان، الشامبو، مزيل رائحة العرق (يا ريته ورطة عند كل الناس عشان يرحمونا)، القهوة، الشاي، الهاتف النقال، الإنترنت، ……و تطول القائمة.
فجأة شعرت بمقدار ضآلتي و أنا أقف عاجزة أمام خطين من الكحل، صورت لنفسي أن روتيني سيتأثر بغياب مستحضرين زهيدي القيمة. قمت بغسل وجهي بالماء و الصابون و تغاضيت عن انزعاجي من منظري و من جفاف بشرتي لكن شعوري بالضآلة كان هو الغالب.
فعلاً، الرفاهية ترفع سقف مطالبنا و توقعاتنا، تجعل الكماليات أقرب ماتكون للضروريات، ليس هذا فقط و إنما نصور لأنفسنا أنها ضروريات و الحياة بدونها صعبة جداً، في حين أن سنة الحياة هي أنها مستمرة مالم يأذن الله بنهايتها.
لم أمت بدون المرطب و لم يلحظ أحد سواي جفاف بشرتي و آثار الكحل السائح، يا ترى كم من المشاكل نضخمها و نصدقها في حين أنها لا تُشكل شيئاً يُذكر؟؟نسأل الله دوام النعمة.

و الأجمل من هذا، اكتشفت بعد حفلة اللوشن نسياني لأغطية رأسي و لا يوجد عندي سوى غطاء الرأس الذي تشبع برائحة السمك و الجمبري المشوي، و كان (ويك إند) سلطة و لله الحمد.

هتون قاضي
٢٢/١٢/٢٠١٢

أهجدوا يا بزورة

(بزورتنا بسم الله عليهم شياطين زي العفاريت، تصرفاتهم همجية، يختي شوفي الولد كيف يضارب كأنه راكبه عفريت، ليش بزورة الأجانب زي الآيات منظمين و ما يخربوا شي، هذه جيناتنا هي المشكلة).
هذا مثال لأحد أنواع جلد الذات، لم نجد سبباً (للفساد الطفولي) سوى جيناتنا (جيناتنا أشباهنا)، طبعاً إلقاء اللوم على الجينات مسألة غاية في اللطافة و تعطي إحساساً جميلاً بالراحة، فنكتفي بقول ( سوينا إللي علينا بس الجينات) و نمصمص شفاهنا بحسرة و نكمل أكل الفصفص و شرب الشاي ( بلاك كوفي و مارون جلاسيه في حالة إذا كنا كوولاً).
حتى نكون موضوعيين و نتجنب (الشخصنة)، فلنستعرض منظومتين:

عندنا

تدخل الملاهي مع الأطفال، تشتري بطاقة الألعاب و تبدأوا باختيار الألعاب. يدخل الجميع صف الألعاب فتفاجأ بجميع الأطفال و قد تكأكأكوا على العامل و الكل ينادي (محمد محححمددد هنا خد كرت، لااااا هنا يا محححمد أنا جيت أول)، عزيزنا (المحمد) يخدم لا شعورياً أعلى الأطفال صوتاً أو أطولهم يداً، في حين أن طفلك الذي أشبعته بمثاليات احترام الغير و انتظار الدور يقبع في آخر الصف (اللي سواه مع نفسه) و هو شاعر بكل أنواع الغبن و الظلم فيشك في أنه هو الضعيف و المخطأ.

في الألعاب التي تتطلب خلع الأحذية، يدخل الطفل متحمساً و لا شعورياً يخلع حذاءه و يرميه في منتصف الطريق و يجري ليلعب، في حالة إذا كان طفلاً (فنتوراً) فستسارع (الداده) لأخذ الحذاء ووضعه في مكانه المخصص أو ستظل تحمله حتى ينتهي (همودي) أو (أبودي) من اللعب. أما اذا لم تكن معه خادمة فإما سيظل الحذاء مرمياً أو سيأتي العامل و يزيحه عن الطريق و لكن أحداً لن يحاسب الطفل.

في ردهة المطاعم، تقف لطلب الطعام، يأتي دورك (في حالة كان هناك دوراً) و تبدأ بالطلب، يأتي فجأة طفل و يرفع عقيرته (محححمد مححححمد جيب واحد بيبسي)، يتركك العامل و يذهب لخدمة (صغير الحجم حاد الصوت) على اعتبار أنه طفل و لا يجوز تركه ينتظر، تشعر أنت بالغبن و تستنكر على العامل فيستغرب لأنه طفل، و الأدهى أنك قد تطلب من الطفل انتظار دوره فيعاجلك بتعليق على شاكلة (مالك صلاح فيني) فتبلع لسانك لأنك لن تتناقش مع طفل ليس لك.

عندهم

نفس الأمثلة السابقة، في الملاهي، اذا تعدى طفل دوره فلن يخدمه العامل و سيطلب منه (هو و ليس أنت) أن ينتظر دوره و اذا رفض فسيتم استدعاء أهله و إخراجه من اللعبة.
نفس النظام عند خلع الحذاء، لن يُسمح لطفل برمي حذاءه و إلا سيحرم من اللعب، حتى إذا ألقى الطفل بحذاءه لا شعورياً، يأتي العامل و ينبهه بهدوء نظراً لإنعدام ظاهرة (داده سعدية) و (داده رحمة).
و طبعاً قِس على هذا في مثال المطاعم، لن يخدم العامل من لا يقف في الدور و لن تضطر أنت للإحتكاك مع الناس لحفظ حقك.

عندنا و عندهم، الطفل هو الطفل. الفرق أن طفلنا من الأمثلة السابقة قد تشبع بمبادئ على شاكلة (البقاء للأقوى و الأكثر دفعاً)، (لماذا أُتعب نفسي فهناك من سيقوم بالعمل بدلاً مني)، (أنا لا أنتظر فأنا مهم).

لو رفض العامل مبدأ مناداته ب (يا محمد يا محمد) و نظم صف الدور في مثال الألعاب لانتهت المشكلة و تم القضاء على ظاهرة (الفساد الطفولي) المتمثلة بتعدي الأطفال على دور غيرهم.

أطفالنا لو وضعناهم في منظومة أخرى فسيتغير الوضع كليةً، فذاك الطفل الذي كان ينقض على (المرجيحة) كالوحش و يرفض إفساح المجل لغيره للعب سيضطر لأن يتعامل مع (المرجيحة) بآدمية إذا شعر بأن الإفساد سيترتب عليه حرمانه من متعة اللعب.

قد لا أكون قد أتيت بجديد و لكن أتسائل، إلى متى ستظل أبسط قواعد التعامل مفقودة في الأماكن العامة؟
كثيرون هم من يتحدثون عن الرغبة في التغيير و القضاء على الفساد، أو ليس من الأجدى تربية (المفسدون الصغار) حتى لا يتعملقوا فيكملوا منظومة الفساد؟؟

أعلم أن هناك من يقرأ و يبتسم بسخرية قائلاً ( ههه ما لقيتي غير تتشطري على البزارين، يعني هم الكبار عدلين أصلاً؟؟)
إذا كنا كباراً و صغاراً غير (عِِدْلين)، فماذا ننتظر من أنفسنا؟؟إذا كانت طوابيرنا في الأماكن العامة فاسدة فهل نتخيل أن طابور أرض المنحة سيكون ( نزيهاً)؟؟

إنها منظومة، لا تظلموا الجينات

هتون قاضي
١٥/٢/٢٠١٢

%d مدونون معجبون بهذه: