خلاصة RSS

Monthly Archives: أفريل 2022

كفاية أم لست كفاية

“ماشاء الله يا هتون، قاعدة كدة ومريحة، شفت كم بحث اتنشر في هذه اللحظات اللي انت ما بتسوي فيها شي؟ عاجبك سجل الأبحاث حقك والبحوث اللي بدأتيها وما نشرتيها لسة؟ خيبة”

يلح علي هذا الصوت وأنا مستلقية على الكنبة بعد يوم طويل قضيته في العمل. ينخر دماغي فأحاول إسكاته بتذكير نفسي بكل كلمات التلطف بالذات التي أعرفها ولكن لا يحضرني منها شئ. أحاول مجددا تجاهل الصوت لاستمتع باللحظة المستقطعة آملة التمتع بحلقة من المسلسل الذي بدأته من شهر ولم أجد وقتا لإكماله، لكن رأسي الذي كان مستلقيا أجده يلح علي بالقيام والعمل بدل التبطح على الكنب، من قال بأن التبطح لك يا هتون؟ هذا الاستلقاء والراحة فقط للمنجزين وليس لك، قومي حالا وادفعي عجلة التنمية.

حسنا، قمت ودفعت تلك العجلة المتعطلة. حضرت محاضراتي وأضفت وسائل جديدة ومقالات مفيدة للطلاب والطالبات، عملت على البحث المعلق وأنجزت فيه قليلا، ليس جاهزا للنشر بعد، ولكن على الأقل أستطيع القول لنفسي أنني ولو لحد ما ساهمت في إثراء البشرية ولعلي سأترك أثرا طيبا، لعلي. هلمي إلى الكنبة يا هتون، المسلسل ينتظرك.

استلقيت على الكنبة وشغلت المسلسل، نظرت للسقف لاكتشف بأنني ومنذ سكنت شقتي منذ خمس سنوات لم أحضر الكهربائي لإخفاء الأسلاك الغير مستخدمة مكان النجفة التي قررت أنني لن اشتريها. يممت بصري تجاه الجزء الآخر من الغرفة، لتقع عيني على البقعة التي أحاول تجاهلها من الغرفة. فمنذ أن جاء الكهربائي لإصلاح التكييف والذي لا يفتأ يحتاج صيانة، وجزء السقف الذي أزاله لازال بحاجة لعامل جبس لإصلاحه. ماشاء الله يا هتون، ها أنت لم تنشري البحث ولم تصلحي السقف، ولازال لديك رغبة بالاستلقاء على الكنبة؟ ما أكسلك، والله إنك لعار على السترونغ اندبندنت وومنز (النساء المستقلات القويات في رواية أخرى).

حسنا، هيا يا هتون قومي من هذه الغفوة وافعلي شيئا مفيدا. اقرئي كتابا. الحمد لله على هذه النعمة. القراءة إحدى متعي الصرفة في الحياة، وميزتها أنني لا أشعر بالذنب حيالها، فأنا على الأقل أثري دماغي والذي عليه بدوره إثراء البشرية والمساهمة في جعل كوكب الأرض مكانا أفضل.

أقرأ في الكتاب معلومات عن عالم أحياء في مكان ما. أقفل الكتاب وأبحث عن هذا العالم في جوجل. لاكتشف بأن له اكتشافات في عالم الطب أنقذت البشرية. اتنقل بعدها للقراءة عن عالم فيزياء أسهم في ثورة الصواريخ واكتشاف الفضاء، لانتقل منه لعالم اقتصادي نشر مئات الأبحاث وابتكر نظرية اقتصادية تكاد تكون هي المحرك للاقتصاد الحديث. ماشاء الله يا هتون، لازلت تجلسين في كنبتك، أنت وأمثالك هم سبب تدهور حال العالمين العربي والإسلامي.

أقوم من كنبتي وأنجز شيئا لا أعلم ماهو، لعلي ضربت موعدا للعامل لإصلاح السقف. أعود للاستلقاء على الكنبة وأقلب في الهاتف لأجد صورا لأزواج سعداء. يا لحالك المائل الغير قابل للاعتدال يا هتون. ها أنت معطلة لعجلة التنمية، سقف بيتك يحتاج لإصلاح، لست بتلك الكفاءة في أي شئ عملتيه، ولازلت عزباء منذ سنوات توقفت عن عدها من كثرتها. بالتأكيد هو خطأك، انظري حولك، العالم يتحرك، من هم أصغر منك سنا وأقل خبرة نجحوا فيما أنت فيه فاشلة، قومي وافعلي شيئا.

أقوم محاولة إخماد هذا الضجيج في دماغي. أخبز كعكة ويأتي أولادي للمطبخ للاستفسار عن الرائحة الزكية، أشعر بالرضا من نظرات السعادة على وجوههم، الحمد لله فوالدتهم مفيدة، على الأقل تصنع كعكا لذيذا، الحمد لله، لست بذاك السوء. إلى الكنبة.

ها أنا الآن وقد أنجزت، ربما استطيع الاستمتاع بالمسلسل. أبدأ المشاهدة وأضع الهاتف جانبا، فجأة أجد صورة من مذكرات الهاتف قبل ٤ سنوات أثناء تصوير آخر حلقات نون النسوة. ماشاء الله يا هتون. أراضية أنت عن نفسك؟ لماذا لم تكملي المشوار؟ لماذا لم تستغلي ما متعك الله به من مواهب؟ يقول لي دماغي بأني حاولت ولازلت أحاول، أقول له انظر للمشاريع الشبه مكتملة ولكن لعل وقتها لم يأت، يتعاظم صوت اللوم على صوت المنطق، وكالعادة يفوز.

يغلبني النوم من تثاقل رأسي المزدحم بالأفكار. استيقظ على الكنبة. تعاتبني نفسي على ما أفعله بها، تستجيب أحيانا وتتجاهل أحايين أخرى. وأعود لمحاولة مشاهدة المسلسل، ولحسن الحظ أنجح هذه المرة.