خلاصة RSS

Monthly Archives: أكتوبر 2019

اللحية والحجاب

ها أنا أقترب من عش الدبابير مجددا. الحديث عن أي شئ يخص المرأة مالم يكن مدحا مطلقا أو تأييدا لحريتها المطلقة بلا قيود في المعيشة واللبس وأسلوب الحياة فهو عبارة عن وضع نفسك على خط النار، وعليك الإستعداد لتحمل كل ما سيأتيك من سباب وشتائم واتهامات بخيانة قضية المرأة. فلنبدأ والله المستعان.

مؤخرا بتنا نسمع بصفة يومية عن الكثيرات ممن كن محجبات ثم قررن خلع الحجاب. بعضهن مشهورات وبعضهن غير مشهورات، ولكن القاسم المشترك بين غالبيتهن هو إلحاق قرارهن بسلسلة طويلة من المبررات وأحيانا ببعض الفتاوي والتي في نظرهن جعلتهن يصلن لنتيجة أن الحجاب ليس بواجب أصلا وغير ذلك من الآراء التي تجعل من خلع الحجاب على من قررته أخف وطأة وقرار أقرب بالنسبة لهن اتباعا لصواب وليس هوى نفس أو ضعف بشري طبيعي.

هذا الموضوع حساس جدا، فمن جهة قرار لبس الحجاب من عدمه هو قرار شخصي من إنسانة بالغة عاقلة قررت بكامل إرادتها القيام بعبادة أو التوقف عن فعلها، وهذا ديدن البشر منذ أن أسكنهم الله الأرض لتحتويهم بخطاياهم وذنوبهم وهو الناموس الكوني الباقي مادامت الحياة باقية، بشر يذنبون ويخطأون ويعودون للتوبة ثم يخطأون وهكذا حتى يقضي الله الأمر وتقوم الساعة. ولكن المثير للإهتمام أنه دونا عن كل العبادات، فإن عبادة الحجاب تحظى باهتمام كبير يفجر كل الطاقات الإحتسابية عند الناس فتصبح من خلعت حجابها مرتعا لكل النصائح والتوجيهات حتى ممن لا يحافظ على صلاته، فتجده يرغي ويزبد ويستنكر ويرى بأن خلع فلانة للحجاب هو بداية انحدار الأخلاق وتطبيع التكشف في حين أنه لا يحاسب نفسه على صلاة الفجر التي فوتها ولم يفكر حتى في قضائها.

وحتى نكون واقعيين وبعيدين عن عنتريات (مالهم شغل، كل وحدة حرة تغطي أو تكشف محد له حق يتدخل)، أستطيع أن أتفهم بدون تبرير لماذا عبادة الحجاب دونا عن كل العبادات تحظى بكل هذا الزخم من المجتمع. أرى هذا عائدا لكون الحجاب وعلى مر العصور أخذ شكل العادة الإجتماعية وأصبح يعبر عن هوية المجتمعات. فتجد مثلا أن إحداهن قد لا تكون ملتزمة بعبادة الحجاب ولكنها إذا كانت في محفل عام تمثل فيه جهة معينة فهي تلتزم به من باب رغبتها باحترام الجهة ولتجنب انتقادات هي في غنى عنها. قد يرى البعض في هذا الفعل نفاقا ومجاملة في العبادات في حين أنه وبكل بساطة يعتبر ذكاء إجتماعيا والتزاما من الشخص بعدم إثارة حفيظة الناس في أمور لا تستحق، كما أن فكرة الأزياء المناسبة للأزمنة والأمكنة هي فكرة معروفة في كل المجتمعات، فلن يحضر أحدهم غداء عمل مرتديا الملابس الرياضية وإن فعل فلن يبرر له أحد ذلك بأنه حر، بل سيقال عنه عديم لباقة ومفتقد للذوق. طبعا أنا هنا أتحدث عن الحجاب كزي يعبر عن هوية مجتمع معين وليس حجاب العبادة.

مشكلة بعض مؤثرات وسائل التواصل المحجبات أنهن بنين قاعدتهن الجماهيرية كاملة بناء على كونهن محجبات . نتيجة لذلك، ظهرت هناك أسواق كاملة تعنى بالأزياء المحتشمة وتسويقها وتقديمها للمجتمعات التي ينتشر فيها الحجاب، وبالطبع تمت الإستعانة بالمؤثرات المحجبات لتسويق هذه الأزياء وساعد هذا بالطبع على ارتفاع مبيعات هذه الأزياء وجعل حتى بيوت الأزياء العالمية تتنبه لهذه السوق النامية وأصبحوا يقدمون لعميلاتهن المحتشمات والمحجبات خطوط أزياء خاصة بهن تحت مسمى Modest Fashion.

 هذا بحد ذاته أمر إيجابي، فلطالما عانت المرأة المحجبة والمحتشمة الأمرين لإيجاد أزياء مناسبة لها لكافة المناسبات. لعلكم لاحظتم أنني أستخدم لفظتي محجبة ومحتشمة، فبالنسبة لي الحشمة مفهوم متكامل يشمل الأزياء والتصرفات وحتى آداب الحديث، وليست كل محتشمة محجبة وليست كل محجبة محتشمة. كنا قبلا نلف الأسواق حتى نجد ملابس أنيقة تناسب السفر والمناسبات العائلية المختلطة، وكنا أحيانا نضطر للتلفيق فنحضر قميصا من هنا ونلبس فوقه جاكيتا طويلا مع بنطلون واسع ليصبح لحد ما طقما أنيقا ومحتشما، ولكن مؤخرا أصبحت الأمور أسهل نظرا لالتفات دور الأزياء لسوق الحشمة المطلوب في أنحاء كثيرة من العالم وأصبحوا يصنعون أزياء متنوعة لهم لمختلف المناسبات.

لنعد للمؤثرات على وسائل التواصل. بعد بناء هذه القاعدة الجماهيرية العريضة وقضاء سنوات في بناء (براند) شخصي يعتمد في الأساس على كونها محجبة، تجد نفسها وقد غلبتها بشريتها وترغب في التغيير. قد تختلف الأسباب، لعلها شخصية أو دينية أو عملية، كل هذا لا يهم، المهم أن هذا القرار لا يمكن أن يمر هكذا مرور الكرام، عليها الشرح والتبرير. ومهما شرحت وبررت فسيظل دائما هناك من لم يقتنع بما قالت وسيطالبها بالسكوت/بإبداء أسباب أكثر إقناعا له/بالصمت وعدم التبرير/….الخ وبعضهم يذهب أبعد من ذلك بمطالبتها بأن تموت. السؤال هنا، هل يجب عليها أن تبرر وتشرح؟ أليس هذا قرارا شخصيا بحتا لا يهم أحدا غيرها؟ في رأي أن عليها أن تخاطب متابعيها وتشرح لهم لأنها قدمت نفسها لهم بهذه الصفة. إذا كانت مثلا كاتبة أو شاعرة أو مذيعة أو أي شئ آخر ولم تستخدم يوما حجابها من عدم حجابها في التسويق لأي منتج فهنا ليست مطالبة بأي شرح أو تبرير، ما عدا ذلك فعليها أن تشرح. مثلها بالضبط مثل من اصطلح على تسميتهم بالكوبلز أو أزواج وسائل التواصل. هؤلاء محتواهم هو زواجهم وعلاقتهم، فبطبيعة الحال من الواجب عليهم حال خلافهم أو إذا قرروا الإنفصال أن يبلغوا متابعيهم ويشرحوا لهم الأسباب، فمن غير المعقول أن أتعلق بكم كمتابع ثم تضنون علي بتفسير لانفصالكم يهون علي صدمتي فيكم وفي علاقتكم الكيوت والتي كانت تعطيني أملا في الحياة، كلا يا أعزائي، إظهاركم لأنفسكم على صفحات التواصل كأزواج أفقدكم حق الإنفصال بسلام وهدوء بعيدا عن أعين المتطفلين، وهذا ينسحب على الفاشونيستا المحجبة التي خلعت الحجاب، لقد أفقدت نفسها بإرادتها حق التغير بدون تفسير وبدون أن يفتي في أمرها جحافل المتابعين الذين بنت قاعدتهم بحجابها على مدار سنين طويلة. أصلا في عالم الأضواء، موضوع الحجاب حساس جدا، فحتى الفنانات لا يستطعن لبس الحجاب وتركه دون صداع وتفسيرات وتصريحات، فما بالكم بمن ليس لديها محتوى سوى (هذا اللبس رائع، هذا المكياج رهيب، هذا الحجاب يليق مع هذا الطقم)، أعانها الله فلن تستطيع الإفلات بسهولة.

أشبه ما يحدث مع المحجبة التي تخلع حجابها بما كان يحصل مع من كان يطلق لحيته ثم يقرر حلاقتها. وجود اللحية كان يعطيه انتماء لفئة معينة وكان هو نفسه يشعر بأنه بإتيان سنة إطلاق اللحية فقد أصبح ينتمي للفئة المتدينة التي كانت لفترة تحظى بشعبية كبيرة وقبول مجتمعي كبير تجعل المجتمع يغفر زلات الملتحي ويعامله بتمييز شديد على اعتبار أنه متدين و(فيه خير). كان قرار حلاقة اللحية أشبه بوضع الشخص نفسه في مواجهة على جبهة عسكرية ومن المستحيل أن يمر بدون تبرير وكان من الممكن أن يتعرض الشخص للنبذ من جراء ذلك. هذا مجرد مثل ولا علاقة له بالحكم الشرعي للحية أو الحجاب.

إذن هذا هو الواقع وعلى من تقرر خلع حجابها مواجهته والتعامل معه ومع تبعاته بذكاء. ولمن تسأل لماذا وكيف وماذا ستقول لربها وكيف ستكمل حياتها بعد أن كانت على طاعة وأصبحت الآن على معصية، أرجوكم لا تشغلوا بالكم بها. هي بالغة عاقلة واتخذت قرارا وعليها تحمل تبعاته، ما بيننا وبينهم كمؤثرات على وسائل التواصل ويتمتعن بشعبية كبيرة هو الإحترام والتقدير للمجتمع الذي بنوا شهرتهن منه ويتمتعن بميزات مالية وشهرة منه. ليس من حقها بحجاب أو بدونه من أن تتعدى على قيم المجتمع وتأتي بأفعال تنافي الأعراف أو أن تلبس ما تشاء بدعوى (أنا حرة). لقد رأينا ما يشيب الرأس من المؤثرات المحجبات من وضعيات تصوير وتصرفات تتنافى مع الحجاب، وفي نفس الوقت هناك مؤثرات لا يرتدين غطاء الرأس ولم نر منهن إلا كل خير، فالفيصل هنا هو الأخلاق والحشمة والذكاء الإجتماعي الذي يفرض على المؤثرة ألا تتعدى على قيم المجتمع ولا تصدمه بالملابس والتصرفات وتحافظ على هوية معينة تشبه غالبية متابعيها.

رأيت من خلال بعض المقاطع لبعض الشباب سخرية وتنمر شديدين على المؤثرات اللواتي خلعن حجابهن  وتفنيد لكل المبررات (والتي للحق تكون بغاية السذاجة أحيانا) وأجد نفسي رغم سذاجة التبريرات وغباءها أحيانا أتعاطف معهن (بدون تبرير). بالله عليكم، كم منكم كان على طاعة ثم تركها؟ كم منكم كان ملتزما بالصلاة ثم تهاون فيها لفترة؟ كم منكم قصر في أداء حق والديه بعد أن كان بارا؟؟ الإيمان يزيد وينقص وما فعلناه من خير لفترة فلن يضيع عند الله. المحجبة التي كانت ملتزمة لفترة بعبادة الحجاب ثم تركتها فلن يضيع الله أجرها في وقت التزامها، نحن هنا نتعامل مع الحكم العدل اللطيف الخبير، لذلك دائما نسأل الله الثبات ولا نغتر بأي طاعة فضلنا الله به على عباده في فترة من الفترات لأننا نتغير ونلتزم فترة ونتهاون فترة.  حقيقة بعض المبررات سخيفة جدا ولا ترقى لفهم الكثيرين، فتبرير مثل (أنا حسيت إني ما بأسويه صح وأنا أهون عليا أشيله ولا أسويه خطأ)، عزيزتي، اخلعيه، لا أحد سيمنعك ولكن حين تخاطبين جمهورك تحدثي عن ضعفك الإنساني ولا تسوغي الخطأ، ومن لا يقتنع فهذا شأنه، ويا حبذا لو تجدن لأنفسكن محتوى مسل وذو قيمة لهذه الجماهير بدل تسويق البضائع وتصوير يومياتكم وبهذا تكسبون حق التغير دون الكثير من التبرير والتفسير. ما عدا ذلك، فهذا اختياركن وستظلون دائما مدينون بتفسير لكل هذه الجماهير.

والله المستعان