ها أنا أعود لمدونتي، أشعر أنها مثل أول بيت تملكه و تسكنه و يحتوي على كل ذكرياتك، مهما طال الوقت تعود و تشعر بكل الود و الألفة و كأنك ما لبثت في بعده سوى يوماً أو بعض يوم (في حالتي آخر تدوينة كانت قبل أشهر و بمناسبة لا أود تذكرها 🙈)، عموماً تظل مدونتي الحبيبة ملجأً متاحاً كلما شعرت بالحاجة لمساحة كبيرة للكتابة، أدامكِ الله لي عزيزتي المدونة و اعذريني على هجري الغير جميل.
ما حداني للتدوين هو وضع وسائل التواصل الإجتماعي المزري الفاحش في الفجور في الخصومة و الترصد البغيض. بدأت بالتغريد في تويتر في شهر سبتمبر ٢٠١١ و مر علينا العديد من الرمضانات، لكن رمضان هذا العام كان الأسوأ على الإطلاق في عدم مراعاة حرمة الشهر و الإسترسال في الشتم و الترصد و متابعة مواضيع أقل ما يقال عنها بأنها غير لائقة.
نظرة واحدة فقط على الهاشتاقات الترند في تويتر السعودية و ستصاب بالذهول من مواضيعها و التي تنبأ عن وجود خلل كبير في مفهوم حرمة الشهر الفضيل و منظومة الأخلاق بشكل عام. فما بين الموضة التي انتشرت مؤخراً “بالتنبيش” في حسابات بعض المغردين و إحضار تغريدات قديمة و شتم و قذف الشخص تحت ذريعة (نحن محد يغلط علينا /نحن زي ما رفعناك نطيحك/ إنت مين عشان تتكلم علينا) و ما بين متابعة ما يحصل بين بعض مشاهير وسائل التواصل و إقحام الدول في صراعات بين أشخاص أقل ما يقال عنهم بأنهم سفهاء لا يقدرون قيمة الكلمة و لا مسؤولية الشهرة التي جعلت من شكل حذاء إحداهن مادةً دسمة لبعض الحسابات التي جندت نفسها لمراقبة فستان تلك و حذاء تلك الأخرى، و ماذا قالت الفنانة فلانة للفنانة علانة عندما احتفلت بعيد ميلادها للمرة الخامسة في نفس السنة.
وسائل التواصل و قدرتها العجيبة على إشهار النكرات بسرعة عجيبة و لأسباب غير معروفة أصابت البعض بالهوس و السُعار، فأصبحت إحداهن على استعداد لأن تعرض على ملايين المتابعين تفاصيل خطوبتها الحافلة بالمشاهد الحميمة ثم تغضب و يصيبها السعار من صورة أرسلتها إحداهن لزوجها، فتقوم الحرب بعد أن قامت هذه المشهورة و بقمة الرعونة و الحماقة بنشر صور الفتاة و التلفظ عليها بأقذع الألفاظ. و هب حينها شعبنا “للفزعة”، و فجأة نزل عليهم إلهام الستر على الفتاة و الوقوف بجانبها ضد هذه المشهورة (هم أنفسهم قد يساهموا في فضح شخص آخر فقط لأن فضحه يسليهم). لهذا الحد و الموضوع “ماشي” و نستطيع بلعه، أما أن يتم إقحام الدول و إتهام تلك الحمقاء بالإساءة للدول و هي لا ترى أصلاً أبعد من كعب حذاءها فهذه هي الإساءة بعينها. و زاد الموضوع حمقاً و تفاهة إقحام حساب بيفور الذي يتابعه الملايين و إتهام صاحبته بالنفاق و الإساءة أيضاً للدول.
ماشاء الله ماشاء الله، فتاة حمقاء تصرفاتها غير راشدة و حساب انستجرام أقصى اهتماماته شكل خصر فلانة و نتهمهم بالإساءة للدول بمحادثة خاصة أخرجها مخترق حساب الحمقاء، عيب عيب عيب علينا أن تكون هذه أقصى اهتماماتنا و المعيب أكثر مقولات مثل (نحن عيال سلمان راح نستلمك و نطيحك/ ما تعرفونا نحن نشهر الناس و نطيحهم على كيفنا /و الله وقعتوا في يد شعب عنده إجازة ٤ شهور و راح يتسلى عليكم/ يلا خلونا نشبع طقطقة عليهم لغاية ما نشوف صيدة ثانية)، في الأصل لا أحد لديه اجازة ٤ أشهر سوى طلاب المدارس، و هذا مؤشر خطير على أن من يقود الهاشتاقات للترند هم الأطفال و المراهقين مع احترامنا الشديد للمحترمين منهم، و لكن هذه مصيبة و كارثة إذا لم نتداركها. ثم من يقول (نحن عيال سلمان) ،أتظن أن الملك سلمان سيكون فخوراً بك و أنت تشتم مريم حسين و تقود حملة أنفولو لبيفور؟؟ لو كنت مكانه لعاقبتهم فرداً فرداً بسبب إقحام إسمي في هذه المهاترات الغبية، ثم أين إدعاء الفضيلة و أين حرمة الشهر الفضيل ؟؟ أين الرقي في تتبع هذه الأخبار و رصد كامل الإنتباه لها؟؟ أين الفضيلة في نبش ماضي الناس و الترصد لهم؟؟ إذا أساء أحد لك أو شعرت أنه يهدد أمنك فتستطيع ببساطة و بدون هاشتاقات أن تقدم ضده بلاغاً و عندنا و لله الحمد نظام متكامل للجرائم الإلكترونية يضمن حق الجميع، أما عندما تقوم بتأليب الناس ضده فأنت لا تريد سوى (الشوو)،و الجمهور المصفق و المطبل هم الأطفال و المراهقين الذين لا يعوون عواقب ما يفعلونه.
حاولت كثيراً إيجاد تفسير للغة المتغطرسة التي يتكلم بها بعضهم في وسائل التواصل (نحن ندمرك/ نحن محد يلعب معانا نوريه كيف نخليه يندم/ نحن نشهر الناس و نفضحهم بمزاجنا)، فمالذي يجعل سقوط و فضح أحدهم مصدراً للنشوى و السعادة عند البعض؟؟ أين اللذة عندما أرى شخصاً مفضوحاً؟؟ التفسير الذي وجدته أن هؤلاء قوم حقاً بائسون و لا يوجد لديهم أي تحكم في حياتهم أو مصائرهم فيلجئون لوسائل التواصل لتحقيق انتصارات وهمية بالمساهمة بفضح فلان و إنقاص فولورز علان. و يشعرون بالإنتصار إذا تحقق لهم مرادهم في حين أنهم قد يجدون صعوبة شديدة في اختيار تخصصهم الدراسي أو حتى اختيار زوجاتهم/أزواجهم، فلا يجدون سوى وسائل التواصل لخلق بطولات و إيهام أنفسهم بأنهم قرروا”تفليس” فلان. طبعاً هذا تفسيري الشخصي الذي لا يخضع لمرجعية علمية و لا أشعر حيال هؤلاء سوى الشفقة و في نفس الوقت أسأل الله أن يكفنيهم بما يشاء فلا حد لأذيتهم، نسأل الله لهم الهدايه.
أما مشاهير وسائل التواصل الذين يشاركون في هذه الهاشتاقات الغبية و المسيئة، ألا تستحون؟؟ ألا تخجلون من أنفسكم؟؟ أصبحتم مثل جهنم في تعاملكم مع الشهرة، يقال لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد، و البعض أصبح على استعداد لأن يغرد بما معناه (لننتظر أذان المغرب حتى نستمتع بشتيمة و فضح فلان و علان) و كأن ليالي الشهر الفضيل لا حرمة لها، و هذا فقط ليصفق و يضحك لك جمهوره من الأطفال، فلا تملك سوى أن تقول حسبي الله و نعم الوكيل.
و حسبي الله و نعم الوكيل أولا و آخرا….
هتون قاضي،
٣٠/٠٧/٢٠١٦