خلاصة RSS

Monthly Archives: فيفري 2012

هتون و المشرف المجنون

لا أعرف كيف أُصنف هذه التدوينة، أهي حلطمة أم فضفضة أم قليل من كلاهما، ما أنا متأكدة منه أنني أرغب و بشدة في تدوين تجربتي مع المشرف و التي قد لا تكفيها تدوينة قصيرة كعادة تدويناتي،و لكني واثقة من أنكم ستتحملون قرائتها من باب (حرام تِكسر الخاطر).
بدأت مغامراتي مع هذا المشرف الدراسي منذ أن وطئت قدماي أرض بلاد الفرنجة، بعد زيارتي الأولى للجامعة تم تحديد موعد مع المشرف و الذي من المفترض أن يقود مسيرتي التعليمية و التي هي وصية شخصية من بابا عبد الله على اعتبار أني من المبتعثات (و قسم بالله عمري ما رحت نايت كلوب 🙂 ).
بعد اللقاء الأول، لم يكن عندي انطباع معين، لاحظت فقط أنه لا يُكثر من عبارات (من فضلك و شكراً) و التي تُعتبر من مميزات الشعب البريطاني لدرجة قد تُحرجك بعض الأحيان فلا تعود تعرف متى سيتوقف مسلسل شكراً و عفواً.
تعددت اللقاءات و بدأنا بوضع الخطوط العريضة للبحث، و للمعلومية نظام الدكتوراة في أغلب الجامعات البريطانية بحثي بحت، فعلى الطالب تقع مسؤولية البحث عن المراجع و وضع الخطة و على المُشرف فقط التوجيه. كنت فقط ألاحظ تعمده الضحك بسخرية بطريقة مستفزة و لكني تجاهلت تماماً ملاحظتي و اعتبرتها لازمة له و علي التعامل معها.
في مرة من المرات، كان عندي مقابلة معه الساعة الرابعة مساء، عند الثالثة و النصف كنت مارة صدفة بباب مكتبه و خطر لي أن أقترح عليه تقديم الموعد نصف ساعة، طرقت الباب و أجابني، أطللت من طرف الباب بكل أريحية و ألقيت التحية فلم يردها، طبعاً الأريحية الهتونية لم تفهم أن عليها احترام نفسها و قفل الباب مرة أخرى و تلقيط وجهها، لكن تجرأت و بإبتسامة عريضة و ألقيت اقتراحي، فما كان منه سوى تعنيفي و تقريعي و تفهيمي بأن علي أن آتي في موعدي.
شعرت بالحرج الشديد و لكن اعتقدت أنها لازمة من لوازم أساتذة الجامعة و أن خطأي الشنيع كان بطرق الباب من الأساس (إنت يا هتون مين محسبة نفسك؟؟ الآدمي مشغول و قاطعتيه).
عُدت في موعدي و كانت المقابلة مشحونة و كان مزاجه سيئاً جداً و كلامه معي مُبطن بسخرية ممجوجة رُغم أنه كان راضياً عن عملي، عُدت لرد الموضوع لنفسي (هتون هذه دكتوراة، هم الدكاترة يسووا كدة عشان يمتحنوا صبر الطالب).
بعد هذه المقابلة أعطاني ستة أسابيع لإنجاز كتابة فصل قصير، خلال هذه الأسابيع( سحبت) على البحث تماماً، كان الوقت صيفاً و جاء أهلي و جاء أيضاً أهل زوجي في رحلة علاجية لوالد زوجي و انشغلت تماماً و لم أتفرغ للكتابة سوى أسبوع قبل المقابلة و التي كانت في شهر رمضان الماضي. (خبطت و رقعت) الفصل و أرسلته له، و كان ذاك الإيميل الملئ بالتقريع و التهزئ و الذي لو نزل على جبل جليد لأذابه، استخدم معي ألفاظ سيئة و لكنها كانت موجهة للبحث و ليس لشخصي، و لكم أن تتخيلوا المقابلة و لكن هذه المرة أوقعت كل اللائمة علي فقد كنت فعلاً مخطئة. عُدت للسعودية لقضاء العشر الأواخر و العيد، كنت أسهر للفجر مع العائلة و أستيقظ في العاشرة صباحاً و أنكفأ على الكتابة لإحساسي الشديد بالذنب من إهمالي في الفترة الماضية، قضينا العيد و عدت أدراجي و قدمت الفصل و الذي لحسن حظي نال رضاه و أبلغني حرفياً أن عملي جيد، لكم أن تتخيلوا حالة الزهو التي شعرت بها و التي فاقت أكثر طواويس العالم غروراً و تخيلت نفسي أُحاضر في هارفرد و أنشر أبحاثي في الدوريات العلمية و يُشاد بي في المحافل الدولية ووصلت لاستحضار نفسي أتسلم جائزة نوبل (في أيش ما أدري).
مر بعدها شهران هادئان، أكتب و أُسلم و نتناقش، كانت ضحكاته الساخرة و استخفافه بي تستفزني و لكني أقنعت نفسي أنها فقط أساليب لتحفيزي و إخراج أفضل ماعندي، حتى كان ذاك اللقاء الكارثي.
قبل أعياد الكريسماس بأسبوع ونصف، كان عندي مقابلة لمناقشة مرحلة مهمة من البحث و التي تسبق جمع المعلومات، كان يناقشني في نقطة و أجبته بإسهاب و أعتقد أنني بأريحية شديدة خرجت عن الموضوع و لا شعورياً حدثته عن الكورس الإلهامي الذي حضرته و الذي (في نظري) له علاقة مباشرة ببحثي، و جدته فجأة يُطلق أحد ضحكاته الشيطانية و يدفع بالأوراق و يقوم و يوجه كلامه إلي (استمري استمري بالكلام يا ثرثارة و أعلم أنك لن تسكتي، و للمعلومية، كلامك كله ممل، استمري بالكلام حتى أذهب و أُحضر قهوة ربما تكوني قد انكتمتي عندها).
لكم أن تتخيلوا موقفي، صعد الدم لدماغي و بدأت أغلي، للحظات رفضت أريحيتي التصديق، ظننت أنه يمزح، قد لا يكون جاداً، هل من المعقول أن هذا فعلاً حصل؟؟
عاد بكوب قهوة (خسارة فيه) و المفروض أنه انتهى، نظر إلي باحتقار و أرغى (استمري بالحديث عن محاضرتك الملهمة و استمري بتضييع وقتي، لن أتحملك ثلاث سنوات و أنت لا تسكتين، بحق المسيح انكتمي و اسمعي و توقفي عن الكلام، توقفي عن هذا الغباء) عندها أوقفته (من فضلك، لن أسمح لك باستخدام كلمة غباء معي، لو كنت أزعجتك كان من الأسهل أن تطلب مني أن لا أشت عن الموضوع)، عندها توقف و صدقوا أو لا تصدقوا استمررت في اللقاء و تحدثنا في البحث. بعد أن انتهينا طلبت منه أن أتكلم قلت له (طوال الأشهر الماضية و أنا أتحمل تصرفاتك معي لأنها لم تكن شخصية، إهانتك لي اليوم جعلت الموضوع شخصي)أجاب بسرعة (لا الموضوع ليس شخصي) عاجلته (عندما تستخدم كلمة غباء معي فهذه إهانة شخصية)، عندها قضى ساعة كاملة و هو (يُعابط) و دخل في مواضيع أخرى و لم يعتذر أبداً.
خرجت من مكتبه منهارة تماماً و قضيت أربعة أيام طريحة في الفراش، فأنا مصابة بارتفاع ضغط دم وراثي و هذا الموقف سبب لي ضرراً كبيراً الحمد لله.
قابلت مشرفة طالبات الدكتوراة و شرحت لها ما حدث، غضبت جداً من الموقف و لكنها أكدت لي أنها ليست مشكلتي، فهو صاحب مشاكل مع الطلاب كما أنها أكدت لي أنه قليل تهذيب حتى معهم كزملاء، أكدت لي أنها تدعمني بالكامل و قالت لي بأن أُفكر بالموضوع خلال إجازة الكريسمس و أنها تدعمني كاملاً إذا قررت التغيير. الجميل أنها استغربت جداً أنني طوال هذه الشهور (بدأت أواخر شهر إبريل ٢٠١١) لم أتحدث معها في هذا الموضوع و هذا عائد للأريحية الهتونية كما أسلفت.
عدت لقضاء الإجازة في السعودية و كنت أستخير الله دائماً في التغيير، كان عندي فصلاً من المقرر تسليمه في السابع عشر من يناير، قلت لنفسي من الأفضل أن أُسلم الفصل و بعدها أُقرر.
بعد تسليم الفصل، أعطاني موعداً للمقابلة و النقاش، بدأت مشاعر القلق و الأرق و الصداع فقط من مجرد التفكير في المقابلة، عندها أيقنت أن علي تغييره، و فعلاً قابلت المشرفة مرة أخرى و أبلغتها أنه لم يحدث شئ منذ آخر مقابلة و لكني أمرض قبل المقابلة و هذه ليست علاقة صحية بين طالبة و مشرفها الدراسي و التي من المفروض أن تُبنى على الثقة و الإحترام، دعمتني بالكامل ووعدتني بالنظر في الموضوع.
مر أسبوعان كاملان و لا زالت المشرفة تنظر في الموضوع و جاء يوم الجمعة الموافق للرابع و العشرين من شهر فبراير، انتظرته كالعادة أمام باب مكتبه (لم يعتذر يوماً عن تأخره)، دخلت و بدأنا المقابلة و بدأ يناقشني في الفصل الذي سلمته في السابع عشر من يناير، بدأت أجيبه و أشرت إلى فصل أرسلته له في نفس اليوم، نظر إلي باحتقار (تحدثينني عن شئ في ملف آخر و أنا أناقشك في هذا الملف، هذا الملف)و بدأيهز الورق بشدة و يرغي (تحبين الجدال يا مجادلة، مجادلة جداً جداً)، عندها لم أفعل شئ فقط ابتسمت ابتسامة عريضة و أظنها استفزته، فما كان منه سوى رمي الأوراق و الصراخ (اخرجي من مكتبي يا هتون الآن، أخرجي اخرجي) للحظات فقدت القدرة على إبداء أي رد فعل ففتح الباب و عاود طردي بطريقة أشد ضراوة (أقول لك أخرجي حالاً حالاً get out get out) .
خرجت من مكتبه و أنا في حالة ذهول، سارعت لمكتب مشرفة الدكتوراة ووجدتها مشغولة، بدأت دموعي تخنقني و بدأت أشعر بضيق في التنفس، انتظرت في الغرفة المجاورة لمكتبها و التي كانت لحسن حظي فارغة، وجدتها خارجة من مكتبها مسرعة للحاق بموعدها، استوقفتها و هالها منظري، اخبرتها بما حدث باختناق و عندها انهارت مقاومتي و بدأت بالنحيب، أخذتني هي و أخرى (بنت حلال و تسخير للغلابة) و بدأوا بمحاولة تهدئتي، سارعت عندها المشرفة لمكتب سئ الذكر ووجدته قد ترك المبنى كاملاً، كانت غاضبةً جداً مما حدث، أبلغتني أنها تحدثت معه من قبل عن تعامله مع الطلاب و كان غاية في الوقاحة معها، أكدت لي أن الجامعة ستتخذ إجراء و أن علي أن لا أقلق.
بعد أن هدأت ذهبت لصديقاتي العزيزات الكويتيات في القسم و تحلطمت على رؤوسهن و لم أجد منهن سوى سعة الصدر، قاموا بتدليلي و دعوتي للمقهى القريب و قضوا معي ساعة جميلة أخرجتني فعلاً من (مود) الحلطمة الذي أكرهه شخصياً جداً.
( خلاص الزبدة يا مزعجة)
ما فعلته بعدها هو تجنب التحلطم على أي أحد، عدت لبيتي و أخذت إبني لزيارة صديقه و قمت بخبز فطيرة تفاح لصديقتي التي دعتني على العشاء و قررت ضمنياً كتابة تدوينة بعد عودتي.
الآن بعد أن استعدت هدوئي بدأت بالتفكر، لماذا لم أتبع حدسي من البداية؟؟لماذا لم أُصدق نفسي حين أخبرتني أن هذا الشخص مريض و التعامل معه سيكون على حساب صحتي؟؟أعلم جيداً أنني لست (دراما كوين) و أنني لا أحب التهويل، لماذا إذن كذبت نفسي حين أخبرتني أنه من الخطأ الإستمرار؟؟
هل الإسراف في لوم الذات فضيلة أم أنها قد تنقلب لرذيلة في حال أوصلت الشخص لتحطيم نفسه؟؟
طبعاً ألطاف الله كانت لا تُعد، أولها أني و لله الحمد لم أتلفظ عليه و لا بكلمة و لم أُخطأ في حقه أبداً، فأنا أعلم يقيناً أنه لن يجد ما يحاججني به. أيضاً أعلم جزماً أن الله سبحانه و تعالى سيؤجرني على صبري. نعم لقد صبرت على أذاه و تحملت في سبيل طلب العلم و أجري بإذن الله كبير. بالإضافة لذلك، أشكر المولى أن اختارني أن أكون مظلومة و لم يجعلني ظالمة.
الآن أيضاً تذكرت سوريا و فلسطين و ما يلاقونه من ذل، ماهو ابتلائي بجانبهم؟؟ الحمد لله أنا آمنة في بيتي و محاطة بعائلتي الصغيرة، نعمة عافية أولادي وحدها لا أستطيع أداء حق شكرها، الحمد لله حمداً يوازي نعمه و يكافئ مزيده.

(ماشاء الله وصلتوا للآخر؟؟ أبطاااااال)

هتون قاضي
٢٥/٢/٢٠١٢