خلاصة RSS

حين تبلغ أشدك، تدوينة في حب الأربعينات

Posted on

كامرأة تعيش في العصر الحديث، اعتقد بأنه لم يعد من المجدي أن ننكر سننا وأعمارنا التي ولدنا بها، فبحث بسيط على جوجل أو أي وسيلة أخرى سيفضح الرقم، وسنظهر بشكل بائخ غير لائق، بالنسبة لي، ولأخفف من وطأة الرقم، بدأت أنظر للموضوع بنظرة وفاء وتقدير لسنوات العمر. فهل يعقل أن أنكر سنوات عشتها بحلوها ومرها؟ ألا أكون ناكرة للجميل وكافرة بالعشير؟ وللحق، لست من الأشخاص الذين ينظرون للعمر على أنه مجرد رقم، كلا أعزائي، العمر هو مؤشر لأشياء لا نستطيع إنكارها، فالخلايا في الجسم تتأثر بالعمر، وعند المرأة، تقدمهافي العمر يعني أن فرصها في الإنجاب قد تتأثر، ويعني أيضا أن عليها أن تستثمر في صحتها ولياقتها حتى لا تفاجأها هشاشة العظام بعد انقطاع الطمث، نعم أنا آسفة جدا ولكن هذه هي الحقيقة ولا جدوى من إنكارها. رقم العمر لا يجب أن يمنعنا من الاستمتاع بوقتنا، من تعلم أشياء جديدة، من الحب والارتباط، من تكوين صداقات وعلاقات وغيرها الكثير، ولكنه مؤشر علينا الانتباه له، ولا مانع من البوتكس بالطبع.

فالحل الوحيد إذا هو أن نفصح عن العمر ويتحول الخجل والتوجس من أننا لم نعد صغارا ل (ماشاااااء الله مرة مو باين عليك، هذا ولدك؟ ماشااااااء الله مستحيل تبارك الرحمن)، فنبتسم خجلى وقلوبنا ترقص فرحا. وهذا يجعلني دائما اتسائل، لماذا لا نرغب أن يبدوا علينا أي شئ؟ نريد أن نكون جميلات دون أن (يبان علينا) أننا نستخدم الميك آب، ونريد أن نبدو أنيقات effortlessly كما يقولون أو بدون مجهود، ذكرني ذلك بالطالب المجتهد السامج الذي كان يملأ الدنيا جعيرا وصراخا بأنه خبص في الاختبار ولم يذاكر بما فيه الكفاية، لنجده يحصد نتيجة فلكية تجعل الكل إما حاقدا عليه أو حاسدا له، ولكن المهم أن ينجح بدون أن (يبان عليه).

ما علينا من كل هذا، ولكن ما أحضرني اليوم للمدونة هو شعور امتنان عظيم لكوني في الأربعينيات من عمري. نعم، دخول هذه المرحلة كان مخيفا في البداية، فأنت لم تعودي ثلاثينية، ذاك السن الذي تغنى به الشعراء ووصفوه بقمة النضج، كما أن هناك حديث لست متأكدة بمدى صحته يؤكد بأن أعمار أهل الجنة ثلاثة وثلاثون، مما يعطي انطباعا بأن الثلاثينيات هي القمة، وما بعدها هو تراجع تدريجي، كما أنني لازلت أذكر حين كنت صغيرة، كنت أشعر بأن سن الأربعين معناه بأن الشخص أصبح كبيرا جدا وما عليه سوى انتظار النهاية، أو كما يقولون (سبحة وسجادة ويالا حسن الختام). أما حين وصلت للأربعين وقصصت الشريط وبدأت أخوض غمار هذه السن، اكتشفت أنه ليس فقط (الأمر ليس بذاك السوء)، وإنما هناك متعة غريبة لم أكن أبدا انتظرها، ووجدت هناك عدة ميزات لهذه السن تجعلني لو كان لدي قوة سحرية لتحقيق أمنية واحدة لطلبت تجميد الأربعينيات وقضيت فيها ما كتب الله لي من عمر. لن أختار العشرينيات رغم أنها كانت سن إنجابي لأولادي والسن التي بدأت فيها مشواري الوظيفي، ولن اختار ثلاثينياتي وهي السن التي حققت فيها درجة الدكتوراة وكنت خلالها أكتب وأقدم برنامج (نون النسوة) الذي كان علامة فارقة في حياتي، وبالطبع لن أختار مراهقتي لأنني حقيقة لا أعرف كيف تحملتني خلالها أمي حبيبتي رحمها الله وأنا مراهقة كارهة لنفسها وللحياة، بل سأختار الأربعينيات، السن التي ما إن دخلتها حتى ارتفع لدي منسوب ال (طز) بطريقة لم أخالها يوما ممكنة. وحتى أكون شفافة مع نفسي أولا، لست من النوع الذي لا يهتم إطلاقا برأي الآخرين، وبالعكس، عانيت كثيرا من (متلازمة المحتال) وكنت دائما أشعر بأن أي نجاح أحققه ليس نتيجة لتوفيق الله أولا ثم لمجهودي، وإنما لأن الناس غافلون عن حقيقتي وسيكتشفون أمري لاحقا، ولكن فعليا كلما أمعنت في الأربعينيات، كلما زادت ثقتي في نفسي بطريقة تلقائية، أتعلمون ثقة الطالب الذي حفظ المنهج عن ظهر قلب ولو سألته أي سؤال سيجيبك؟ نعم، هو هذا النوع من الثقة المبني على مكتسبات حققها الشخص لنفسه، على تجارب كثيرة مر بها وصقلته وعلمته، على تحديات مرت عليه وبعضها هزه من الداخل وقلب عالمه، فحين تأتي التحديات الآن يواجهها بثقة العارف، وبالطبع، إذا لم نعجب أحدا في هذه السن فكمية ال (طز) التي سنشعر بها مريحة ورائعة، نعم لا أرغب بأن أعجبك، هذا أصلا ليس مهما، نعم سأتعلم واكتسب مهارات لآخر يوم في عمري، ولكن مهارة (كيف تكون بيتزا مرجريتا يحبك كل سكان الكرة الأرضية) لن تكون إحداها.

أكاد أيضا أجزم بأن الأربعينيات حاليا هي the new twenties أو العشرينيات الجديدة. السيدات الأربعينيات هذه الأيام هن الأجمل والأكثر تألقا، وقطعا إجراءات التجميل ليست هي السبب وإن كانت فعليا قد أسهمت في تأخير علامات التقدم في العمر، ولكن التوهج والتألق لا علاقة له بالخارج، لمعان العيون ووسع الابتسامة لا علاقة لهما بابتسامة هوليوود والتي تجعل الشخص مثل الدراكولا، إنما هو ذاك التوهج الناجم عن النضج والثقة، عن الخبرة والحكمة ومعرفة القيمة. أنا هنا بالطبع أتحدث عن فئة الأربعينيات الناضجات اللواتي طورن أنفسهن وعملن عليها، ولا أتحدث قطعا عن تلك التي تراها لأول مرة بعد عشرين سنة وتجدها تعلك نفس المواضيع بنفس الطريقة دون أي جديد، ولكن هذه المرة بشفاه أنهكها الفيلر ففرت من مكانها وخدود كالكراسي يتوسطهم أنف شديد الاستقامة تم طلبه من الكاتلوج وفصل على المقاس. من أتحدث عنهن هن اللواتي خضن الحياة بتجارب عدة، فتلك سيدة منزل ربت أولادها الكبار ولازال لديها ذاك الطفل الصغير الذي تسميه فاكهة المنزل، وتجدها مواكبة وحريصة على تثقيف نفسها فيكون الحديث معها متعة للقلب، وتلك سيدة الأعمال التي وصلت لإدراج شركتها في سوق الأسهم ولازالت شغوفة للتعلم، والأخرى بعد سنوات سجلت في برنامج ماجستير لتطوير نفسها ولم تدع أحدا يقول لها (بعد ما شاب ودوه الكتاب)، والأخرى لم تتزوج ولكنها راضية ومنسجمة مع وضعها وحققت الكثير من النجاحات ولديها أبناء أخوان وأخوات يعشقونها ويعتبرونها والدتهم، وغيرهن الكثير.

وصف القرآن الكريم سن الأربعين بأنه السن الذي يبلغ فيه الإنسان أشده، ولطالما أذهلتني هذه الآية ببلاغتها وعمق معناها، وأصبحت أراقب نفسي ومن حولي، وفعلا، صفات الإنسان تصل ذروتها في هذا العمر، فالحكيم تزداد حكمته ويزدان منطقه، والجميلة تتألق تألقا آسرا وبديعا، والناجح قد يصل لقمة نجاحه، وشخصيا أرى أن الذروة لا تعني أن بعدها انحدار، فقد يستمر التصاعد، أما إذا بلغ الإنسان هذا العمر ولازال طائشا ويتصرف بطفولية وعنجهية، فاسأل الله له السلامة وأن يبعده عن طريقي، لأني اعترف يأن أحد إرهاصات الأربعينات لدي هو قلة تحملي للطيش والحديث البعيد عن المنطق والآراء القديمة المكررة، أكاد أجزم أن سماعي للآراء المعلوكة والمكررة يصيبني بتسمم السمع، وهي حالة تتمنى أن يتوقف الشخص فيها عن الحديث وأن تحصل قوة خارقة تسحبك من مكانك حتى لا تضطر للاستماع للهراء، فرفقا بالأربعينيات.

نعم، هن الأربعينيات، الصغيرات الكبيرات، الفاتنات الحكيمات، هن ملح الحياة، ولا أدري إذا مد الله في عمري لما بعد ذلك ماذا سأقول، ووقتها لكل حادث حديث.

ودمتم،

هتون، ١/٨/٢٠٢٤

انجوا بحياتكم، إنه فخ

أعزائي القراء، أنا في إجازة، وهذا يعني أنني أقضي وقتا أمارس فيه اللاشئ، وكشخص يتمتع، ويتعذب، بعقل يعمل دائما، فوجدت نفسي دون تخطيط مسبق أفكر في سنواتي العشر الفائتة، تحديدا منذ اكتسبت لقب (أم عازبة) بعد ثلاثة عشر عاما من الحالة الاجتماعية التي لا تدع مجالا للعديد من التساؤلات لأنها بطبيعة الحال تعتبر حالة طبيعية.

اكتساب اللقب يعطيكي عزيزتي المرأة لقبا آخر أصبح مستهلكا جدا، ومن كثر استهلاكه أصبح سامجا بائخا يعاد استخدامه حتى ممن لم تخرج بعد من البيضة، هذا اللقب أصبح وبالا وصار يخيل لمن لا يعرف خبايا الأمور وتفكيره لا يتعدى أرنبة أنفه بأن الاستحواذ عليه شرف ومطلب، هذا اللقب هو (القوية المستقلة)، أو ما يعرف استهلاكيا Strong Independent.

نعم أعزائي، هذا اللقب والذي تحسدك عليه بنات جنسك قبل غيرهم ثمنه غال جدا، والمصيبة الكبرى أنه ثمن أنت مضطرة لدفعه حتى وإن لم تكو ني قد سعيت له من الأساس، وكأنك فعليا تدفعين ثمن أنك كنت (كفوو) وعلى قدر المسؤولية، فحين تغيرت ظروفك واضطررت أنت وزوجك لفض مؤوسسة الزوجية لأسباب أنت تعرفين تماما، وأتحدث هنا عنك أنت عزيزتي بحكم الانتماء البيولوجي، أنها أسباب غير قابلة للتفاوض والتنازل وأن فض هذه الشراكة بات ضروريا لسلامة جميع الأطراف، أصبحت محسودة لأنك كنت كما يقول إخوتنا اللبنانيوون (قد حالك)وكنت قادرة على إدارة حياتك وحمل مسؤوليات كبيرة جدا لتحافظي على مكتسبات حققتها بنفسك في السنوات التي خلت قرارك بفض الشراكة الزوجية. ونعم، أصبحت حياتك التي ظاهرها الحرية والاستقلالية وعدم التقيد بظروف أحد، تلك الحياة التي تستطيعين إدارتها بناء على فرصك أنت دون غيرك، تلك الحياة التي أنت مسؤولة فيها عن كل صغيرة وكبيرة مستهدفا تسعى غيرك لتحقيقه، وأصبحت أنت بكل ما تمرين به من تحديات أسطورة ترغب الأخريات الوصول لها، وأصبحت في نفس الوقت شخصا خارقا لا يحتاج لأحد و من المتوقع منه أن يكون دائما مصدر دعم للجميع.

حسنا أعزائي، أتيتكم من المستقبل في حال كنتم لازلتم في الحاضر، وأبلغكم بأن شرف اللقب وكل ما يلحقه من مميزات يتراءى لكن أنها تستحق القتال من أجل الحصول عليها ماهو إلا فخ كبير ظاهره الرحمة وفي باطنه مالا تعلمون من أمور كثيرة لا يحكى عنها في الإعلام ولا تحاك حولها القصص لأسباب عديدة أحدها أن نموذج (القوية المستقلة) أصبح مستهدفا ومطلبا ولأجلها تصمم المنتجات وتحاك حولها القصص والأساطير، فليس من مصلحة أحد أن تظهر الصورة الأخرى الغير ملمعة. ولأكون شفافة أكثر، حتى من اخذت قرار الانضمام لنادي (القويات المستقلات) لأسباب واهية وندمت لاحقا، ليس من مصلحتها قول الحقيقة، فحين تحارب لأجل شئ وتسخر له كل طاقتك تشعر وقتها أن ثمن التراجع أكبر من مقدرتك على مواجهته ودفعه، فتستمر في حياكة وعيش قصة ليست قصتك ولكنها مطلوبة وملمعة، فليكن.

وحتى نضع الأمور في نصابها ونبتعد والعياذ بالله عن شخصنة الأمور، أبلغكم بأن قرار الانفصال الذي اتخذته عام ٢٠١٤ هو ليس فقط قرارا صائبا، بل هو أحد تلك القرارات التي أحمد الله دائما أن هداني له في الوقت المناسب، وليس في قلبي ذرة شك أو ندم عليه، وبالنسبة لي، أنظر دائما للطلاق كمخرج طوارئ في العلاقة الزوجية، هو موجود وتراه دائما ولكنك لا ترغب بتاتا بالخروج منه إلا إذا حصل أمر يضطرك ويجبرك عليه، وهذا ما يجب أن يكون عليه الطلاق في نظري، باب تخرج منه لتنقذ نفسك لا لتبحث عن فرص أفضل، ولكل حالة طبعا ظروفها ولا نحكم أبدا.

وكشخص عايش ورأى وسمع، أستطيع أن ألخص لكم بعض الأساطير التي تحاك حول المرأة المستقلة القوية ونستعرضها معا ونتأملها ونناقشها.

أسطورة ١: المرأة القوية المستقلة قرارها دائما بيدها ولها حرية التصرف في مقدراتها.

حسنا، نعم، لحد ما، في حال كنت امرأة عاملة ولها دخلها أو لديك مصدر دخل من أي نوع فهذا الاستقلال المادي سيجعلك مسؤولة عن قراراتك وعن هندسة حياتك، ولكن، وهنا لكن كبيرة جدا، هل هذه ميزة في المطلق؟ أتعلمين ماذا يعني أن تكوني مسؤولة تماما عن حياتك وتكوني أنت الشخص الوحيد ذو الدخل في حياتك؟ معناها أنك فقدت تماما رفاهية أن لا تعملي إذا تعبت أو أرهقت، معناها أنك ستخافين جدا من أي تهديد قد يلحق وضعك كموظفة، وهو شعور بالنسبة لي لا يجب أن تشعر به الأنثى، أقسم بالله أنه شعور بغيض تحتاجي للكثير من الدعم، وقبل كل شئ، للكثير من الإيمان بالقضاء والقدر للتعامل معه حتى لا يشكل لك هاجسا يفقدك ما تبقى لك من أنوثتك التي تقتل يوميا بالجري والسعي والتفكير المتواصل الذي لا يهدأ، ونعم، ستشعرين أحيانا أنه لا ينقصك سوى شنب حتى تصبحي رجلا.

أسطورة ٢: المرأة القوية المستقلة ليست مرتبطة برجل يشغلها عن أهدافها أو حتى تسليتها، هي حرة تماما ولا شئ يربطها.

حتى نكون منصفين، لحد ما هذا صحيح، فأنت وإن كان لديك أطفال فأنت لست مرتبطة بغداء أهل زوجك ولست مضطرة لقضاء العيد في مكان لا ترغبينه، وتستطيعين السفر مع صديقاتك وقت ما تشائين. وهنا أيضا لكن كبيرة جدا، بالعودة لأسطورة ١، ولنفترض أنك موظفة، هل سيكون لديك دائما الفائض من المال لتسافري وقت ما تشائين؟ حتى وإن كان، هل هو فعلا هدف بحد ذاته؟ حسنا، سافرت مرة أو اثنتين، ماذا بعد ذلك؟ ثم ما حكاية (مافي رجل يشغلك ويقرفك)، هل كونك كنت متزوجة من رجل كان يخنقك ولا يعرف الحدود وعشرته صعبة معناها أن الزواج (ربطة) والطلاق (حرية)؟ انتشار هذه المفاهيم خطر جدا ويسوغ لفكرة أن لقاء الصديقات بصفة مستمرة والسفر معهن هو مكتسب من الطلاق، في حين أنه قد يكون شيئا يسري عنك ويخفف وحدتك وليس العكس، فهو قد يكون رعاية تلطيفية حتى تستطيعي مواجهة مسؤولياتك الكثيرة. ثم عيني في عينكم كدة، هل فعليا عدم الارتباط بأهل الزوج هو نعمة تستحق السعي من أجلها؟ لطالما شعرت أن الفتاة المرتبطة جدا بأهلها والتي تفتعل المشاكل اذا طلب منها زوجها أي شئ يخص أهله هي فتاة غير ناضجة ولا تعرف كيفية الخروج من العش وخلق عائلة لنفسها، فكيف ستدير حياتها بعد الطلاق؟ كونك كنت مرتبطة برجل يخنقك ويعد عليك خطواتك فاحمدي الله أنك تخلصت من تلك الحياة، وها أنت تواجهين تحديات أخرى، لا حل سحري هنا.

أسطورة ٣: هناك مميزات كثيرة للطلاق هذه الأيام، فكونك مطلقة فأنت مستحقة لدعم “سكني”والعديد من البرامج الأخرى والإعانات التي تساعدك.

يا رب لك الحمد، نحن نعيش في عصر ذهبي جعل المرأة غير مضطرة لتحمل حياة مؤذية وسيئة مع زوج سئ، هناك برامج تضمن أن يدفع الرجل نفقة الأولاد وبرامج تدعمها في حال رغبت بشراء سكن مستقل أو رغبت ببدء مشروع خاص. ونعود للكن، ألا ترون معي أن من تقدم على الخطوة وحياتها نوعا ما جيدة ولكنها ليست الأفضل، كمن يقرر أن يجلب المرض لنفسه فقط لأن هناك مستشفيات تقدم علاجا جيدا؟ عزيزاتي، وجود الدعم وسهولة الإجراءات هي خطوات تصحيحية لسنوات طوال عانت فيها المرأة من التعسف والتعنت ومساومتها على حقوقها، لطالما أمسكت النساء بضرار وتمت أذيتهن نفسيا وجسديا وهددن بحرمانهن من أطفالهن فقط لأنهن لا يرغبن بالعيش مع رجل سئ، وكل ما تحقق الآن ليس لتتطلقن بسهولة، ولكن هو فقط تحقيق لمبدأ باب الطوارئ، هو موجود، ولكنه باب طوارئ، ليس من المنطقي أن نرغب بالخروج منه فقط لأنه ظاهر وواضح. ثم أتظنين عزيزتي أن شراء منزل بمفردك هو هدف عليك السعي لتحقيقه؟ إذا كنت غنية والمادة بالنسبة لك ليست مشكلة فهنيئا لك، أنت تمثلين ١٪ من نساء العالمين، أما البقية فسيأخذن قرضا عقاريا يربطهن على الأقل عشرين عاما. نعم، عشرون عاما تعملين فيها بلا توقف حتى لا تخسري بيتك، نعم الحمد لله أن لديك سقف فوق رأسك باسمك، ولكن هناك تبعات. ثم أتعلمين ماذا يعني أن تشتري وتؤثثي بيتا لوحدك؟ إنها تجربة وحيدة جدا، فأنت تختارين البيت، وتفاوضين على السعر وحدك، ستقومين باختيار تفاصيله لوحدك، ففي حين يدخل الأزواج سويا لاختيار المطبخ والأثاث ستكونين أنت وحدك. البيت دائما مفهوم حميمي لدفء العائلة، وبالنسبة للقوية المستقلة هو رمز للقوة ويتم تسويغه على هذا الأساس، لكن لا أحد يفكر بحجم الوحدة المرتبطة ببيت دون عائلة بمعناها الحقيقي.

أسطورة ٤: لماذا أستمر في حياة لا ترضيني تماما؟ الطلاق فرصة لحياة أفضل، زوجي ليس سئ ولكني لست سعيدة تماما، أريد أن أكون أسعد.

وهنا تأتي الطامة والمفهوم الذي زعزع بيوتا كثيرة كان بالإمكان أن تظل قائمة. للبعض، الطلاق ليس لأن الحياة وصلت لطريق مسدود، بل لأننا نشعر أننا نستحق حياة أفضل مع شخص أنجح/ أوسم/ أغنى…..الخ. حكمتك يا الله حين وصفت العلاقة الزوجية بالميثاق الغليظ. مرة أخرى، من شخص سيكمل أحد عشر عاما حاملا للقب القوية المستقلة، أقول لك لا شئ مضمون. فإذا سوغ لك بعض عديمي المحتوى والفارغين بأن (الحياة مليااااانة فرص وحتلاقي مليون واحد يبغاكي، انت بس ارفعي استحقاقك، إنت تستاهلي واحد يدلعك ويعطيكي وانت أنثى بس أجلسي واستقبلي)، فاعلمي أنك واهمة جدا، الحياة ليست وردية كما تعتقدين، والارتباط مرة أخرى ليس بالأمر السهل أبدا، فدعي عنك خرافات الاستحقاق، كقوية ومستقلة عليك أن تعملي وتحفري في الأرض وهذه حقيقة لن نهرب منها، إلا إذا كنت ماشاء الله غنية ولست مضطرة لما غيرك مضطر له، فاجلسي واستقبلي ما تشائين واعلمي أنك لست مستهدفة من تدوينتي هذه.

هذه الأساطير التي تحضرني حاليا، وقد أقلبها سلسلة، لا أعلم، وحتى ذلك الوقتو دمتم بخير.

هتون،

٢٥/٧/٢٠٢٤