خلاصة RSS

Category Archives: المقالات

ارفعي طاقتك الأنثوية، أيتها التي ليست أنثى

كنت استمع صدفة لمقطع على موقع انستجرام وصدف أن يكون للدكتور محمد الحاجي، الباحث في علم السلوكيات الإنسانية والذي صدف أيضا أنني إحدى متابعاته وسبق لي أن شاركت في أحد حلقات بودكاست “آدم” والتي كانت عن الفقد، وحقيقة أكن الكثير من الاحترام والتقدير للدكتور محمد، والمقطع الذي سمعته ليس فقط أثار اهتامي، بل حفزني وجعلني أرغب جدا بالكتابة. كان يتحدث عن الحالة التي تصيب الكتاب بمختلف اختصاصاتهم، وهي حالة ال writer block أو الانحباس الكتابي كما أحب أن أسميها، والذي عكسه تماما حالة الانصباب أو ال writer flow وهي حالة من انسيابية الكتابة تجعل يد الكاتب تجري دون أن يشعر ويكتب باستمتاع شديد لدرجة أنه قد ينظر فجأة للساعة فيجد أن الوقت قد انقضى بسرعة شديدة، وهذا عادة ديدن الأوقات الطيبة وأوقات الإنجاز، لا نشعر فيها بمرور الوقت. الحل الذي قدمه الدكتور محمد الحاجي لحالة الانحباس الكتابي هي أن يبدأ الكاتب بالكتابة، حتى لو بكتابة سيئة لاهدف لها، ولا يتوقف حتى تختمر الفكرة، وأدرج في سياق كلامه (ابدأ بشئ تافه).

يا سلام عليك يا دكتور محمد، لله درك. لقد ألهمتني وأجريت يدي للكتابة عن موضوع لا علاقة له بتاتا بالانحباس الكتابي ولا الحراري ولا العاطفي ولا أي نوع من الانحباسات، ولكنها التفاهة يا أخي. جعلني الدكتور محمد أتمعن في ما يحيط بنا من تفاهة واتعجب، لماذا لا يصاب التافهون بالانحباس التفاهي؟ لماذا لا ينبض معينهم من المزيد من التفاهة؟ هل هم بدأول بفعل تافه واحد فبالتالي جرت التفاهات بعضها فلم يعد هناك أي مشكلة بالمزيد؟ 

كشخص معروف بكثرة التفكير وأحيانا جلد الذات، كنت أقول لنفسي (هتون مالك شغل، كل واحد يسوي اللي يبغاه، التفاهة مفهوم نسبي)، ولكن هل حقا هي مفهوم نسبي؟ هل كل ما ينشر على وسائل التواصل من محتوى يكاد يكون سببا رئيسا في ضعف مخرجات التعليم وتراجع نسب الذكاء والفهم عند الناس هو شئ نسبي لا يصح أن نسميه تفاهة؟ حين يهجم عليك محتوى سفيه من شخصيات لا هم لها سوى التسوق والشراء وتسويق أساليب حياة غير منطقية ألا يتسبب ذلك في التقليل من شأن الأمور الأكبر؟ حين تضج وسائل التواصل بمحتوى ظاهره التوعية ولكن باطنه فارغ ويسوق بكل سطحية للتمحور حول الذات وتسفيه قيم العائلة والتضحية ألا يصح أن نسمي هذا محتوى تافه وفارغ وللأسف خطر؟ 

للحق، لا يقلقني المحتوى التافه السطحي الذي لا يختلف عليه اثنين، فلا خلاف أبدا أن تلك الفتاة التي لا هم لها سوى (هاي بنات، جبتلكم اليوم منتج يموووووت أنا ما استغنى عنه)، وحقيقة لو استخدمت كل الأشياء التي تدعي (أنها لا تستغني عنها) لما وجدت وقتا للمزيد من الإعلان عن المنتجات، إجمالا هذا المحتوى يتابعه الناس وهم يعرفون أنه لا فائدة من ورائه، وأقصى الخسائر هي خسائر في الأموال وأحيانا نفسية (خائسة) بسبب كثرة المقارنات والشعور أن الآخرين حياتهم أسلس وأسهل، ولكن ماذا عن المحتوى السطحي الذي ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب؟ ماذا عن ذاك المحتوى الذي يدعي العلم استنادا على علوم زائفة لا إثباتات عليها مثل الطاقة والوعي والذكورة والأنوثة ويبني عليها برامج كاملة دون علم حقيقي ولا معرفة عميقة؟ ماذا عن تلك الجرأة التي تجعل من أشخاص يصممون برامج دون أي سند علمي وبمنتهى السطحية ويأخذون عليها الأموال من أشخاص أنهكهم التعب ويرغبون بتحسين حياتهم وتطوير أنفسهم؟

مررت مصادفة بأحد تلك الحسابات والتي مرت صاحبته بالكثير من المنعطفات في حياتها، مثلها مثل الكثيرات، لا شئ جديد ولا غريب ولا مستهجن،  بدءا من زواج في سن مبكرة ثم طلاق ثم زواج مرة أخرى يتخللها محاولات مشاريع ما بين فشل ونجاح، وتصور هذه الرحلة الطبيعية جدا وكأنها خوارق كونية لم يخلق مثلها في البلاد، وتسمي التكيف الطبيعي مع الظروف والتماهي معها (تشافي)، تقنعنا هذه المؤثرة بأن تجاوز الطلاق شئ يحتاج لدورات بآلاف الريالات وأنها لو عاد بها الزمن لما انتظرت سنوات طويلة لتتطلق ولقالت له (طلقني يا جاسم) عند أول خلاف لأن العمر عند هؤلاء الأشخاص ليس (بعزقة)، فلماذا تصبرين على شخص يشخر وهو نائم ولا ينشف حوض الغسيل بعد الاستخدام؟ لماذا مقاييسك لهذه الدرجة منخفضة؟ لماذا لا تتعلمين رفع الاستحقاق؟ لماذا لا تقتنعين داخليا أنك تستحقين رجلا معه خادم ينظف الحوض بعده ويلم غسيله ويفصله حتى تقوم الخادمة المختصة بالغسيل بالمهمة على أكمل وجه؟ لماذا تقبلين العيش مع رجل يشتري من محلات الجملة ومرتبط بأهله وعنده واجبات تجاههم؟ لماذا تهون عليك نفسك أن تسافري في الدرجة الاقتصادية؟  لماذا أنت هنا الآن ولم تسجلي بعد في رحلة ال retreat التي ننظمها أنا وزوجي الجديد الذي تزوجته بعد أن خلعت زوجي السابق وتركت له الأطفال ليربيهم وتفرغت أنا للتشافي؟ هيا سجلي ولا تضيعي المزيد من الوقت، اعتزلي ما يؤذيك وأعطني في الطريق الريالات والدولارات.

هذا المحتوى ملغم وخطر لأنه يتسلل للعقل بنعومة شديدة مستخدما بديهيات لا تحتاج لعاقل أو حصيف ليدركها، ويغلفها بغلاف شديد الجاذبية يجعلك تعتقد أن هذا علم مثبت ومدروس وقائم على أبحاث ودراسات قامت هي بها على منصة إكس ومن خلال جروبات الواتس اب، هذا المحتوى يجعلك تشعر بالذنب إذا كنت تعيش حياة طبيعية بها مشاكل ومسؤوليات وصراعات وتسميها (مقاييس منخفضة). هذا المحتوى يخالف السنن الكونية بعدالة تقسيم الأرزاق وأننا مختلفون في المقاييس وأن كوننا ولدنا ونشأنا في مجتمع وعائلة معينة يحتم علينا أمورا قدرية عادية وطبيعية وصراعات لا دخل لها بخفض أو رفع الاستحقاق، وأنه من الطبيعي والعادي جدا أن يكون هناك طبقات اجتماعية مختلفة، وكونك لا تنتمين للطبقة الأعلى فهذا لا يعني أن استحقاقك منخفض، بل لأن هذا قدرك وإذا أردت تغييره فعليك السعي والعمل وليس التسلق والجذب.

في القرون السابقة، كان من الصعب جدا على الإنسان تغيير طبقته أو مكانته المجتمعية. كانت المجتمعات مقسمة لطبقة النبلاء وأصحاب الأملاك والأموال والطبقة العاملة. وفي المجتمعات العربية كان هناك التجار والعاملون لديهم، وكان من الصعب جدا أن تختلط الطبقات أو تتغير وفعليا كان مصير الإنسان محكوم بميلاده ونشأته ومن الصعب جدا أن يغير هذا. نحن محظوظون في المجتمعات الحديثة بأنه أصبح من العادي جدا على المجتهد أن يغير طبقته المجتمعية، وليس فقط ذلك، بل يستطيع سحب عائلته بأكملها معه. مع توافر الفرص و زيادة الوصول للتعليم العالي، لم يعد الثراء والتميز المجتمعي حكرا على طبقة معينة، بل من العادي جدا أن تسمع عن شخص ولد وعاش في بيئة متواضعة وتمكن بجده واجتهاده من إكمال تعليمه ومن ثم تقلد وظائف مرموقة رفعت من إسمه ومن إسم عائلته وأصبح هو المقياس الجديد لمحيطه ومجتمعه، وسمعنا ولازلنا نسمع عن رجال أعمال بنوا إمبراطوريات دون الاستناد على إرث أو إسم العائلة أو القبيلة، وهذه أيضا سنة كونية لأن لكل مجتهد ونصيب والله سبحانه وتعالى لا يضيع عمل عامل ودائما سيجازى الإنسان على قدر سعيه، لكن أن يعتقد الشخص أنه “يستحق” فقط دون أن يحاول الأخذ بالأسباب المتوائمة مع هذه السنن، فهذا هراء محض وسطحية وبيع للأوهام، ولو كان في بائعي الوهم ومسوقي الدورات خيرا  لنفعوا أنفسهم بدل التكسب من أخذ الأموال من المساكين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت ولم يجدوا سوى هذا الهراء  لينتشلهم من بؤسهم ويعيد لهم التوازن والاستحقاق المفقود.

كثير منا تأثر بهذه الدعوات، ولا يشترط أن يكون الشخص مغفلا أو محدود الذكاء حتى يصدق أو يتأثر. الكثير من المؤمنين بنظريات المؤامرة مثلا هم من المتعلمين والمثقفين، ولكن يجمعهم عدم القدرة على العيش مع عدم اليقين فيلجأون لتفسيرات تبدو لهم منطقية، فمن الأسهل على النفس البشرية أن تؤمن بوجود قوى تخفية تتحكم في العالم وأن الكورونا مؤامرة وأن لا شئ يحصل صدفة وأن كل الأمور مرتبطة بطريقة أو بأخرى. وبنفس المنطق، الكثير ممن يلجأ مثلا لنظريات الذكورة والأنوثة والاستحقاق هم أشخاص أنهكتهم محاولات تحسين حياتهم، فوجدوا في هذه الدعوات حلولا سحرية خلاف ما يقتضيه العلاج النفسي أو العلاج المعرفي السلوكي من وقت ومجهود وحتى أموال. 

في خضم هذه الفوضى وطوفان المحتوى السطحي التافه، قد يكون من المفيد العودة للأساس والاقتناع بأن لا أحد معصوم من التأثر، وأن من حق الإنسان على نفسه أن يقوم بعمل “فلتر” لما يغذي به دماغه، وهذه “الفلترة” التي يقوم به الشخص بكل وعي ستحميه من طوفان التأثر بكل ما يقال وينتشر. فالمرة القادمة، حين تقنعك إحداهن أن عزوبيتك المستمرة من سنوات طويلة هي بسبب طاقتك الذكورية وضعف استحقاقك وأن كل ما عليك فعله هو أخذ دورة رفع طاقة الأنوثة، فابتسمي وأغلقي أذنك وتوجهي لما ترينه أنت مناسبا من الأخذ بالأسباب بغض النظر عن نوعها، وإذا جاء أحدهم لييخبرك بأن السبب المستمر لخسارتك للأموال ليس بسبب قراراتك الخاطئة وضعف مهاراتك الاستثمارية، بل لأن طفلك الداخلي لديه مشكلة مع المال، فاغلق أذنك واذهب لمختص ليساعدك على بدء خطوات عملية مدروسة لتحسين وضعك. 

ودمتم بخير وعافية.

هتون

هذه أحبها وتلك أتزوجها

Posted on

أعزائي القراء، كل عام وأنتم بخير، هذه تهنئة متأخرة بشهر الخير الذي أقبل هذا العام في أجواء معتدلة جعلت الصيام أهون وأسهل، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. اختمرت فكرة هذا المقال في مخي أثناء قيادتي للسيارة عائدة من زيارة مستشفى والتي كانت بالمناسبة في وقت متأخر لا زلت غير معتادة عليه رغم وصولنا لليوم الثامن من أيام هذا الشهر، بارك الله لنا في أيامه ولياليه وختمه لنا بخير. المهم أنني ظللت أحاول أن أعلم من أين أتيت بالعنوان، هل هو عنوان رواية للكاتب الراحل إحسان عبد القدوس؟ هل هو فيلم سينمائي؟ هل هو عنوان مقال قرأته سابقا؟ حقيقة لا أعلم، ولكني شعرت بأنه مناسب جدا كعنوان مقال يناقش السؤال الأزلي “هل يحب الرجل المرأة الذكية؟”.

في السابق، كانت معضلة “هذه أحبها وتلك أتزوجها” خاصة بما كان معروفا عن الرجل الشرقي أن قد يحب امرأة ويعشقها ويتدله في حبها، ولكنه حين يقرر الزواج فهو يبحث عن تلك التي لا يعرفها والتي ترشحها له أمه أو إحدى أخواته، وهذا حتى يضمن أنه أول واحد في حياتها وأن تلك التي أحبها وكان بينهم تواصل وعلاقة قبل الزواج غير مؤتمنة على بيته وعياله، وكانت هذه الاكليشة تستخدم دائما لتخويف الفتيات من العلاقات أيا كان نوعها على اعتبار أنه حتى لو وعدها بالزواج فهو حتما حين يقرر الإقدام على هذه الخطوة، سيبحث عن أخرى “قطة مغمضة” يقوم هو بتفتيح عينيها وتعريفها بالحياة. أذكر أنه حين كنا في المدرسة في الثمانينات والتسعينات الميلادية، كانت توزع علينا الكتيبات والأشرطة التي تحكي مآسي فتيات منحن قلوبهن للذئاب البشرية لينتهي بهن الأمر محطمات وقد خسرن سمعتهن وشرفهن، أما الذئب فقام بكل صفاقة بخطبة فتاة أخرى وتزوجها وظلت تلك المسكينة أو “النعجة” التي صدقته تندب حظها حتى اليوم.

كلنا نعلم بأن الزمن تغير، وأن ديناميكية العلاقات تغيرت وتبدلت بشكل كبير، ولم يعد هناك ذئاب ونعاج ولا قطط ولا أسود، بل أصبح هناك بشر عاديوون يتعاطون مع أمور الحياة، كنا ولازلنا مجتمعات متدينة يحكمها الدين والقيم، ولكن تلك اللغة تبدلت تماما، إلا أن معضلة “هذه أحبها وتلك أتزوجها” ظلت ثابتة، ولكن من تلك التي يحبها والأخرى التي قد يتزوجها؟ هذا مرتبط مباشرة بسؤال “هل يحب الرجل المرأة الذكية؟”.

حسنا، أعلم أن الجواب المتداول والمعروف والمعلوك كثيرا هو أن الرجل لا يحب المرأة الذكية وإن ادعى عكس ذلك، وأن الرجل يعتقد بأن هذه المرأة مغرورة وصعبة الإرضاء وقليلة الجاذبية، إلا أن الحقيقة هي خلاف ذلك تماما.

أعزائي، الرجل يعشق المرأة الذكية وتجذبه كالمغناطيس، نعم هذه الحقيقة بالأبحاث والأرقام.

ولكن كيف؟ ماذا عن النظريات التي تقول بأنه يهاب هذه المرأة ويخشى على رجولته منها؟ ماذا عن المقارنات؟

نعم أعزائي، حتى هذا صحيح، فالرجل ينجذب للذكية، فقط عن بعد. في دراسة أجرتها لورا بارك وآخرون سنة ٢٠١٥، درسوا خلالها تأثير المسافة النفسية على انجذاب الرجل للمرأة الذكية، وجدوا أن الجاذبية بين الأشخاص من الممكن تعزيزها من خلال قدر معين من المسافة النفسية، وهذه المسافة تعرف بأنها ” التجربة الذاتية التي يشعر فيها الفرد بأن الهدف (في هذه الحالة المرأة) قريب أو بعيد من الذات”، كما أن للجاذبية أيضا علاقة بمقارنة السمات الشخصية بين الفرد والشخص الآخر.

كون الشخص مصدر الإعجاب يقع ضمن نطاق مسافة نفسية بعيدة نسبيا عنا بطريقة تشعرنا بالأمان على أنفسنا وشعورنا نحو ذواتنا، فمن الممكن جدا أن ننجذب لشخص يحمل صفات قد لا نقبلها أو تشعرنا بالتهديد في حال اقترب الشخص نفسيا منا.

بالمناسبة، هل شعر أحد منا يوما بالغيرة من الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا الراحلة بكل أملاكها ومكانتها ومميزاتها المكتسبة من انتمائها لعائلة ملكية من الأعرق في التاريخ؟ غالبا لا.

على صعيد آخر، كم منا شعر بالغيرة والتهديد من قريب أو صديق أنعم الله عليه برزق أوفر أو شكل أجمل أو ذكاء أعلى؟ إنها المسافة يا إخوان.

إذا، فالرجل فعليا تجذبه الذكية واللماحة والتي قد تكون أكثر ذكاء منه، ولكنه حين يقترب ويكتشف بالمقارنة المباشرة أنها “أذكى”، يقل انجذابه لها، ويبدأ بالتطلع لعلاقة أخرى يشعر فيها برجولته من خلال كونه أذكى وأفضل.

إذا عزيزتي، صدقي الرجل حين يقول بأنه يحب الذكية، لأنه صادق، هو فقط حين يجابه الواقع بأنها قد تكون أفضل منه، يفقد الهدف الأساسي من العلاقة وهو أن يشعر برجولته، ويصبح همه هو إثبات هذه النقطة، وهذا مضن ومتعب. تخيلي أن تكوني على علاقة مع رجل يوصف بأنه أجمل منك ولا يفتأ المجتمع بتذكيرك بذلك بشتى الوسائل؟ سيكون الأمر صعبا مهما كنت واثقة لأن الجمال من المفترض أنه ملعب المرأة، فكيف ينافسك فيه الرجل؟ تخيلي كم المجهود الذي ستبذلينه لتبدين أجمل، تخيلي كمية المنتجات والملابس والاجراءات التجميلية وووووووو، هذا أمر منهك ومتعب ولا يجب أن يكون الارتباط هكذا إنما بالعكس، نحن نرتبط لتصبح حياتنا أفضل وأكثر إشباعا وليس العكس. أعلم أنها نقطة حساسة ولكني فقط استعنت بها لأقرب الصورة، فإن سببت سوء فهم، أبلغوني وسأزيلها وأمحوها كأنها لم تكن.

وصلنا هنا لمعضلة حقيقية، ففعليا تلك الذكية التي يحبها الرجل سيكون صعبا عليه جدا أن يتزوجها لأنه لا يرغب بالتواري خلف جاذبية شخصيتها وكاريزمتها وذكائها، ونعم، هو لن يتوقف عن المقارنة لأن ذكاء المرأة هو تهديد لشعور أصيل يحتاجه الرجل من الارتباط، وهو الشعور بالرجولة، وهذا لا يختلف أبدا عن احتياج المرأة للشعور بأنوثتها مع رجل يحبها ويعجب بها ويعدها بتوفير الأمان والحماية.

إذا عزيزتي المرأة، ماذا تفعلين مع قول الرجل بأنه لا يحب الفارغة البلاستيكية التي لا شخصية لها؟ وأنه يحب تلك التي يتحاور ويتناقش معها ولديها شخصيتها المستقلة والتي تتمتع بدم خفيف ونفسية منفتحة للحياة؟ أقول لك صدقيه. ولكن من الأفضل أن نفهم ما يقصده حتى يرتاح العالم من المعضلات التي لا تنتهي.

مما رأيت وسمعت وشاهدت وقرأت، حين يقول الرجل بأن يحب ذات الشخصية المستقلة فغالبا هو يقصد تلك التي لا تنساق خلف كلام أمها أو أهلها وكأنها طفلة، ولا تنساق خلف الموضات السائدة بلا عقل، ولا تغير رأيها وتناقض كلامها بلا منطق، وهذا بالطبع سيصب في مصلحته ومصلحة حياتهما المشتركة حيث أن هذه المرأة تعرف كيف تحافظ على خصوصية العلاقة، وهذا مطلب ولا يهدد رجولته أبدا.

عزيزتي، حين يقول الرجل بأنه يحب خفيفة الدم، فهنا احذري واحذري واحذري. فلنتفق بأنه لا يوجد رجل يحب المرأة النكدية والسلبية ودائمة التشكي، وإن نفذ لها طلباتها حتى يتخلص من شرها فهو داخليا لا يحب عشرتها ولا الجلوس معها. ولكن ماذا عن تلك التي تخلق الأجواء وتطلق النكات والتعليقات اللماحة بذكاء شديد وتعرف كيفية التعامل مع المواقف الصعبة عن طريق تخفيفها بروح الدعابة؟ احذري، سنعود للفخ الأزلي وتبدأ المقارنات

بالنسبة للرجل (واسمح لي يا آدم أن اتحدث باسمك انتقاما للعقود التي تحدثت فيها باسمنا دون إذن أو حتى استشارة 🙂 )، خفيفة الدم هي من تضحك على نكاته وتقهقه من قلبها فيشعر حينها أنه ليس فقط القائد والذي يقوم بتوفير أسباب الحياة الكريمة بكل ما تشمله، ولكن هذا أيضا يتضمن البرنامج الترفيهي، يا للسعادة. أما أن تكوني أنت مصدر الترفيه؟ أنت هنا أصبحت “خفيفة” وليس خفيفة دم، وسيبتعد ويذهب لتلك التي يضحكها وليس التي تضحكه، لأنه لا يحتاج أبدا للشعور الذي ستشعره به بدون قصد.

حين يقول بأنه يحب التي تحاوره وتناقشه فهذا صحيح، فلا أحد يحب الحديث مع الشخص السلبي أو الذي يكرر كلام الآخرين بلا أي إضافة أو تحليل، والرجل بالذات إذا كان صاحب ثقافة عالية سيحب من تجاريه وتتناقش معه وتحضر معه الفعاليات وتنسجم في عالمه، وتعلم متى تأتي ومتى تغيب وتحترم مساحته وخصوصيته، ولكن، حاولي أن لا تقعي في فخ أن تكوني أوسع ثقافة منه وتصححي معلوماته أو تشعريه أنك أفضل بأي طريقة وإن بدون قصد، سنعود لمربع الصفر.

إذا ما العمل؟ هل هذا يعني أن الذكية اللماحة لا حظ لها مع الرجال؟ هذا صحيح وغير صحيح، قدر المرأة حقيقة أن الصفات التي تعتبر ميزات تنافسية في الرجل مثل الذكاء والنجاح والمكانة الاجتماعية هي نفسها قد تعتبر صفات منفرة في المرأة، وهذا عائد لحقيقة أن المرأة تاريخيا تسعى لأن يكون الشخص الذي سترتبط به “أفضل” وترى في هذا ميزة على اعتبار أن هذا طريق للترقي والصعود الاجتماعي، عكس الرجل تماما والذي يجب أن يكون هو “الأفضل” في العلاقة. ولكن، حتى تكون هناك فرصة، كل ما على الرجل فعله هو تحويل الموضوع من منافسة لتعاون، وأن يقتنع الطرفان بأن التكامل في العلاقة وتقدير الصفات الطيبة في الطرف الآخر تقديرا حقيقيا وإظهار ذلك بصورة أصيلة، كل هذا سيسهم في تخفيف حدة التنافس وستكون هناك فرص للنجاح، أما الابتعاد بمجرد المقارنة، وهو الأمر التلقائي بالمناسبة والذي على إثره توصم النساء ب (شايفة نفسها، محسبة نفسها آخر حبة، كلامها كلام مثقفين وأنا ما أحب كدة…الخ) قد يؤدي لخسارة فرصة علاقة قد تكون رائعة، ولا يعطي فرصة لأن يكتشف الأشخاص في بعضهم صفات مهمة مثل التواضع والتفهم والتعاطف والاحتواء، وعموما، الشخص الذكي الحقيقي هو شخص متواضع في الأساس عكس الشخص المزيف والذي يلجأ للغرور للتغطية على ضحالته، الذكي الأصيل يعلم حدوده ويتفهم الآخرين ويحتويهم، وهذه كلها صفات تحتاج للوقت حتى تظهر ويتم تقديرها.

إذا حتى تكون تلك التي تحبها هي تلك التي ستتزوجها، فقط تحلى بالصبر، خلاف ذلك، فستظل المعضلة قائمة والحياة ستستمر.

ودمتم بخير وسعة،

هتون

٨/٣/٢٠٢٥، ٩/٩/١٤٤٦

للاطلاع على المقال في سايكولوجي توداي:

https://www.psychologytoday.com/us/blog/why-bad-looks-good/202108/are-men-actually-attracted-to-intelligent-women