خلاصة RSS

Monthly Archives: أوت 2024

ذات صيف في الرياض (حتى تكتمل القصة)

Posted on

حسنا أعزائي القراء، أبشركم، أو لا أظنها بشارة، إذا أبلغكم، بأن رحلة الرياض لم تنتهي مغامراتها عند حد التيه في الشوارع وأخذ مخالفة والاحتكاك مع صبة في شارع ضيق، ولكن الأيام اللاحقة كانت حبلى أيضا بالأحداث، بعضها سعيد جدا مثل لقاء صديقتي التي لم يسبق لي لقاءها الدكتورة سارة العبد الكريم وبناتها الرائعات، وبعضها خلاف ذلك تماما، وحقيقة لا أعرف ماذا أسمي هذا، لعله الصيف اللاهب يا سادة.

في اليوم التالي، وبعد ان انتهيت من الدورة التدريبية، والتي بالمناسبة تعرفت فيها على أشخاص رائعين، وهذا اعتقد أنه عامل ثابت في الرياض لا يتغير بالفصول، أهلها شديدي الترحيب ولسانهم جميل، والله إن أساريري تنفرج حين أسمع جملة (سمي طال عمرك)، (يا حبيلك، أبشري)وغيرها الكثير. المهم، بدأنا بمحاولة هندسة باقي اليوم حين تنتهي هبه من عملها بعد الساعة الثامنة مساء، واليوم هي موجودة بحي السفارات، حسنا، يا للحظ السعيد، حي السفارات من زيارة سابقة جميل جدا ومرتب ويأخذك لعالم فخم تشعر خلاله أنك مهم ولك تأثير في المشهد الدولي، لا أدري حقيقة كيف ولماذا وعلى أي أساس ولكنه شعور جميل. أرسلت لي هبه الموقع من داخل حي السفارات، وبدأت باتباع خرائط جوجل. أتذكرون حين ركبها عفريت قبل يومين؟ ركبها هذه المرة عفريت ولكن بدرجة أقل من مارد، فهي تبدو وكأنها تعرف ما تفعل ولكنها تقودني لطرق مقفلة. أصبحت أدور وأدور وأدور، ولمن يعرف حي السفارات، فهو ملئ بالدوارات، فأصبحت كمن يلف حول محوره بدون هدى، وفي إحدى الدورانات الفارغة من الهدف، وجدت ورائي دورية تحاول استيقافي. ماشاء الله يا هتون، أصبح وجهك معمما على كل الدوريات بمدينة الرياض من شمالها لجنوبها وشرقها وغربها، أصبح هناك تعميم عليك بمراقبتك حتى لا تقومي بأي تصرف يخل بمنظومة السير ويساهم في الزحام في مدينة لا ينقصها سيارة أخرى تسير بدون هدى وتلف حول محورها وتزيد الانبعاثات الكربونية. قمت بكل أدب بالتوقف جانبا، ونزلت من السيارة وأنا لا أعرف ماهو التعبير الذي يجب أن أرسمه على وجهي. هل ابتسم؟ ألن يستفز هذا رجل المرور؟ هل اتجهم؟ كلا يا هتون هذا ليس من الذوق، قررت أن لا أراقب تعبير وجهي ونزلت من السيارة مستفسرة عن جنحتي، فأبلغني بكل أدب واحترام أن أنوار السيارة الخلفية مطفئة، فوجئت لأن السيارة من المفترض ذكية كفاية لتقوم بضبط الأنوار اوتوماتيكيا، اعتذرت وقمت بفتح الأنوار وأكملت طريقي والذي تخلله اتصالات كثيرة مع هبه تصف لي مكانها، وأنا أسير لمحاولة الوصول، حتى جاءني منها اتصال تصرخ فيه (هتوووووون انت مو شايفتنا؟؟؟ نحن ثلاثة واقفين وكنا تقريبا بننط في الشارع عشان تشوفينا، معقولة ما شفتينا؟)، أقسم بالله أنني لم أر أحدا، ماشاء الله، هل تمر الأشياء من أمامي عادة ولا أراها ثم أندب حظي؟ هل هذا أصلا وقت الأسئلة الوجودية؟ انتهت مسيرة البحث أخيرا بإيجادها وركبت معي السيارة لتبدأ مداولات (أين نذهب هذا المساء). وانتهى المساء بأن أوصلتها للفندق وذهبت أنا لمشاهدة Deadpool and Wolverine والذي تقريبا نمت في غالبية مشاهده، ولكن الفشار كان لذيذا.

اليوم التالي كان آخر يوم في الدورة التدريبية، والتي ستنتهي في حدود الثانية أو الثالثة مساء. رحلة العودة لجدة كانت في العاشرة مساء، ووجدت نفسي أتوق جدا للعودة لبيتي وقضاء المساء في كنف كنبتي الحبيبة، لا أرغب أبدا بخوض عباب الشوارع ومحاولة تزجية الوقت بأي نشاط، أرغب فقط بالعودة، حسنا إذا، لنقم بتقديم الحجز، وفعلا، أصبحت عودتي الآن في الخامسة مساء، وهذا يعني أنني سأكون في بيتي بحدود السابعة والنصف، يا الله يا هتون ماذا ستفعلين بهذا المساء الثمين؟ ماذا ستشاهدين؟ ماذا ستقرأين؟ وأسرفت كعادتي في الأماني، متى يا هتون ستضبطين التوقعات؟ تقولين بأنك ناضجة بما فيه الكفاية حتى تعيشي بسقف توقعات يلامس الصفر ولكنك في الواقع تسرفين حتى في إقناع نفسك بأنك تعيشين بلا توقعات، واجهي نفسك، فقط في هذه الرحلة القصيرة، كم مرة أصبت بالخيبة الثقيلة؟ كم مرة ارتكبت خطيئة الأمل؟ تشعرين بالثقل في قلبك ولكنك تقاومين وتقنعين نفسك بأنه its OK، متى ستتعلمين؟

تناولت الغداء مع زملائي الجدد ومكسب الرحلة الحقيقي، وودعتهم جميعا على أمل اللقاء القريب في أي مناسبة أخرى. حقيبتي معي بالسيارة، والمطار على بعد ١٥ دقيقة من مقر الفندق الذي عقدت فيه الدورة، ففي حدود الساعة الثانية وخمسين دقيقة، ركبت سيارتي المستأجرة، وشغلتها وكل بالي في إبني الحبيب الذي اتفقت معه على استقبالي من المطار وكنبتي الحبيبة وموعدي الغرامي معها.

وأبت السيارة أن تعمل.

حاولت الضغط على زر التشغيل عدة مرات، وهي لا تستجيب. خرجت من السيارة وعاودت الدخول في خطوة أقل ما يقال عنها بأنها عديمة الفائدة وحاولت مجددا تشغيل السيارة، إلا أنها أبت. نعم أعلم ما يحصل، إنها ببساطة مشكلة بطارية، وهذا معناه إما أن نجد طريقة لعمل اشتراك، أو أن يتم تبديل البطارية، ولكنها سيارة مستأجرة، ولديهم خدمة مساعدة على الطريق، اتصلت بهم وأبلغني بأنهم سيتواصلون مع سطحة لتأتي إلي، وأن علي أن أنتظر اتصال رجل السطحة. ماشاء الله تبارك الله يا هتون، التقيت خلال رحلة الرياض بكل ماله علاقة بالطرق من رجال مرور مرورا بالصبات ونجم وضياع في الشوارع، ولم يتبق لك سوى السطحة، طبعا حتى لا يبقى كما يقولون شيئا في نفسك، فلنقابل السطحة. وأنا في خضم المحاولات لحل الأزمة، كان يستمع للمحادثة أحد موظفي الفندق والذي قاده حظه الجميل ليأخذ بريك ٥ دقائق، وعرض علي مباشرة المساعدة. قام بالاتصال بزميل له ليأتي بسيارته لعمل اشتراك، وأصبح التحدي الان كيف نحرك السيارة حتى نتمكن من تقريبها من السيارة الأخرى لعمل الاشتراك، ولأنها سيارة ذكية، لم نتمكن أبدا من تغيير (الجير) لتتحرك، حاولوا بكل قوتهم تحريكها وهي على وضعية الوقوف، وبقيت صامدة شامخة ترفض أن تتحرك. في هذه الأثناء، جاء الاتصال المنشود من (سطحة مان)، وأبلغني أن أمامه ٣٠ دقيقة ليصل، تشكرت كثيرا من الموظفين، وهذه أحد الأشياء الرائعة في الرياض، الكل يفزع وبقلبه، ولكن الآن لا بديل للسطحة.

دخلت الفندق هربا من الحرارة الشديدة والتي سلخت دماغي، وبدأت محاولات إعادة تغيير الحجز. كنت قد أصدرت بطاقة الصعود للطائرة، فوجب علي أولا أن ألغيها حتى يتمكن موظف مكتب الحجوزات الذي قام بعمل الحجز من تغييره. ونعم، حتى هذه أصبحت تتصرف بغرابة وكأن عفريت الجن الذي ركب خرائط الجوجل قد استلم الشفت لتطبيق الحجز، وأبى التطبيق أن يقبل ال OTP، وبعد المحاولة التي أظنها العاشرة، قبل الرقم وتمكنت من الإلغاء، ولله الحمد ومنه المنة تمكنا من إعادة جدولة الرحلة لتصبح الساعة السابعة مساء. الساعة الآن الرابعة، والسطحة لم تصل بعد، وأصبحت ابتهل إلى الله أن أتمكن من اللحاق بالرحلة. وصل (السطحة مان)، ودخل لساحة الفندق، وبدأت محاولة سحب السيارة، وبعد محاولات عدة، تمكن من توقيف السيارة بحيث نستطيع الآن عمل اشتراك بطارية من السيارة الأخرى، وفعلا، تم عمل الاشتراك وأصبحت السيارة جاهزة للتحرك. شكرتهم جميعا على شهامتهم ورجولتهم ورحل (سطحة مان) دون أن يضطر لأخذ السيارة معه. قدت السيارة ويدي على قلبي وخائفة من أن تقل الأدب وتتوقف لأي سبب. وصلت المطار وتوجهت لإعادة السيارة، وفي اللحظة التي وصلت فيها لمواقف شركة التأجير، قادني الموظف لأوقف السيارة وعينه عليها، وقع بصره على آثار حادث الصبة، وبلهجة ساخرة وابتسامة مبطنة، أو هكذا خيل لي، وجه لي الحديث (هادس، ها؟؟) عاجلته دون تردد (ايوة أنا خبطت في السطحة بس أنا كلمت نجم وانتظرت في الشارع وعملنا تقرير فمافي مشكلة). نظر لي الموظف بغرابة لأنه فعليا لم يطلب مني كل هذا، قام بالتقاط عدة صور للسيارة وطلب مني أن اتبعه للذهاب للمكتب، وفعلا ذهبنا للمكتب، وأبديت غضبي من البطارية عديمة التهذيب وشرحت لهم بأن الكثير من الضرر وقع علي وأن الرحلة فاتتني وأنا الآن مضطرة لعمل إعادة جدولة لموعدي مع الكنبة (تمنيت أن أقول هذه النقطة ولكن خفت ألا يأخذوني بجدية فتراجعت)، المهم أنهم طلبوا مني أن أقوم برفع شكوى، وطبعا لم أفعل وغالبا لن أفعل لأن لا طاقة لدي.

وعدت لبيتي، وكنبتي، ووجدت آيسكريم في الفريزر أكلته بنهم شديد للتبريد على أعصابي، وسأعود بإذن الله للرياض وسيكون الجو ألطف.

ودمتم سعداء،

هتون

١٠/٨/٢٠٢٤

ذات صيف في الرياض

Posted on

وصلت الرياض قبل يومين لحضور دورة تدريبية. وللحق، حين علمت بأمر الدورة التدريبية، فرحت جدا وقلت لعلها فرصة للسفر والتغيير حيث أنني لم أسافر خلال إجازتي التي امتدت لأسبوعين كاملين قضيتهما وبكل فخر في ممارسة اللاشئ، ذاك اللاشئ اللذيذ الذي تشعر بكامل الاستحقاق أنك تمارسه دون أن يساورك أدنى إحساس بالذنب بأنك تعطل عجلة التنمية، وأن هذا التبطح الذي يتسم باللاهدف هو مستهدف بحد ذاته. إذا لنذهب للرياض حيث الفعاليات والاحتفالات والصيف الواعد بالكثير من التسالي، حسنا، كنت أعرف يقينا أن الأجواء الصيفية في الرياض قاسية وأن حرارة الشمس هناك تتسم بقدرة عجيبة على لفح وجهك فتشعر أن وجنتيك تشتعلان، ولكن ما علينا، كل الأماكن مكيفة، كما أن الأجواء الصحراوية تجعل الليالي الصيفية لطيفة نوعا ما، بالإضافة لأن شقيقتي هبه موجودة هناك بطبيعة الحال نظرا لارتباطها بالعمل، فكل الظروف مهيئة.

كانت الرحلة سلسة بطريقة عجيبة. أقلعت الطائرة قبل موعدها ووصلنا خلال وقت أقل من المعتاد، نزلنا من الطائرة وتوجهنا لمنطقة استلام الحقائب، ونظرت عدة مرات في اللوحة الالكترونية لاتأكد من رقم سير الحقائب، وجلست عنده منتظرة.

وانتظرت،

وانتظرت،

وانتظرت وطال انتظاري، وطوال الوقت كنت اتأكد فعليا من رقم الرحلة، حتى وجدت عبارة (اكتملت الأمتعة). لا يا هتون لا، لن تفقدي حقيبتك، أنت هنا لمدة خمسة أيام وضياع حقيبتك سيضعك في وضع حرج، يا رب ماذا أفعل؟ تلفت حولي بحثا عن خدمات الحقائب، وأنا اتلفت، وجدت حقيبتي تتبختر على السير الذي يقع خلفي تماما، ماذا؟ لماذا أنت هناك أيتها المارقة؟ شعرت أن كوني وجدتها هو غنيمة بحد ذاته، فلن أشغل نفسي بلماذا وكيف، ولمت الحقيبة لأنها ربما ضلت طريقها، هذا أفضل الآن لحالتي المزاجية التي لا ترغب بتاتا بأي جدال.

توجهت بعدها لمكاتب تأجير السيارات. وحيث أني لم أحجز مسبقا، أعددت نفسي لأن ألف على عدة مكاتب حتى أجد سيارة مناسبة، ولكنني فوجئت بوجود ضالتي عند أول مكتب قصدته، وسارت إجراءات التأجير بكل سهولة، ليس ذلك فقط، ركبت السيارة وشغلتها ووجدت هاتفي يتصل بالسيارة دون أي مجهود يذكر، هذا بالإضافة لأنه صادف أن الفندق الذي تنزل فيه هبه يبعد سبع دقائق فقط عن مقر الدورة، شعرت أنها كلها إشارات وأن فصل الحقيبة ليس إلا عارض، وبأن رحلتي الرياضية ستكون مكتملة الأركان بلا شك. وكنت أظن وأظن وأظن.

وصلت الفندق واستقبلتني هبه ونمت ليلتها براحة وأنا متطلعة لحضور الدورة التدريبية اليوم الثاني. استيقظت كعادتي مبكرة جدا، استعددت وخرجت قبل موعد الدورة بساعة ونصف، قلت لعلي اكتشف المنطقة المحيطة وآخذ وقتي لإيجاد موقف للسيارة، وفعلا وجدت الفندق سريعا ووجدت المواقف تناديني لأختار منها ما يناسبني، أوقفت السيارة ونزلت وحضرت أول يوم في الدورة التي كانت ممتعة وتعرفت خلالها على الكثيرين، وتحمست بأنها ستكون أربعة أيام ثرية. انتهى اليوم وركبت سيارتي ووضعت الموقع في خرائط جوجل والتي اتصفحها عن طريق Apple Carplay، وجدتها تقودني لطريق ضيق جدا نظرا لوجود إصلاحات، فبعد صف السيارات المصطفة، أصبحت المساحة تحتاج لخبير مساحات حتى لا تحتك السيارة بالصبات أو بالسيارات المصفوفة، وضعت يدي على قلبي، فالسيارة لا تحتوي حساسات، فقط كاميرا خلفية، فأصبحت أسير وعيني على كل الجهات، وصلت لزاوية التفات، وكانت هناك سيارة زرقاء، لا أعلم ماذا أقول عن صاحبها سوى حسبي الله وهداك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قام هذا الأحمق بصف سيارته قرب الزاوية، تاركا لجميع السيارات مسافة ضيقة جدا للالتفات، وفجأة وجدت نفسي أحتك بخشونة في الصبة وأنا انعطف يمينا، شعرت كأن مفاصلي هي التي احتكت، فآخر ما أرغبه هو أن أوقف السيارة وأقوم بتصوير الحادث والتواصل مع نجم خصوصا وأن الساعة الثالثة عصرا والشمس من زجاج السيارة تلفح وجهي. شعرت بغضب من صاحب السيارة الزرقاء ومن الصبة التي لم تتحرك حين اقتربت منها ومن فكرة استئجار السيارة ومن استخراجي للرخصة ومن كل شئ، أريد كنبتي في بيتي الآن.

ابتعدت قليلا عن مكان الحادث حتى لا أعطل السير، وقمت بتقديم البلاغ لنجم عن طريق التطبيق، هذا بعد أن تواصلت مع شركة التأجير وأبلغوني بضرورة التواصل مع نجم والإبلاغ عن الحادث حتى يتم تغطيته بالتأمين الشامل. جاء نجم بعد حوالي العشرين دقيقة، وانتقلت معه لمكان الحادث والتقطنا الصور للصبة المذنبة وتشاركنا الحقد على صاحب السيارة الزرقاء، ونعم، كدت أن احتك بالصبة مرة أخرى واتسبب بأضرار أخرى للسيارة، ولكن الله سلم. المهم، قمنا برفع البلاغ، ولكنه رفض نظرا لعدم وجود الاستمارة لأن السيارة مستأجرة، فهيا لنعاود التواصل مع شركة التأجير ليرسلوا لنا الاستمارة ونعاود رفع البلاغ في نجم، وهذا يعني تصوير السيارة ،مكان الحادث مرة أخرى، في شمس الرياض الحنونة، الحمد لله على كل حال. كنت قد خرجت من مقر الدورة قرابة الثانية والنصف، ولم أصل الفندق بعد هذه الحفلة سوى قرابة الخامسة، ما علينا، الحمد لله على كل حال، فالسلامة غنيمة. أرحت جسمي قليلا مع حمام الشمس الذي أخذته قسرا وأنعشت نفسي وقررت الخروج والجلوس في مكان ظريف حتى يأتي موعد خروج هبه، فآخذها ونتعشى سوية. كانت هبه قد أرسلت لي موقع عملها مسبقا، وجدت أنه يبعد عن الفندق ١٧ دقيقة، استغربت، فهي أخبرتني أنها تقطع مسافة ٤٥ دقيقة يوميا. خرجت من الفندق، وقمت بتشغيل الخرائط عن طريق Apple Carplay, شعرت بأن الخرائط لديها مشكلة، فهي تخبرني بالانعطاف يمينا، وحين انعطف أجدها تغير الطريق، فتأمرني بالمضي للأمام، وفجأة تغير الطريق وتطلب مني الانعطاف يسارا، جن جنوني، وقفت جانبا لأرى ما يحدث، ففوجئت بدورية تقف بجانبي تبلغني أنني في منطقة محظورة، اعتذرت وحركت السيارة وذهبت لمكان آخر لأجد حلا للخرائط التي فقدت صوابها فجأة، ظللت على هذه الحال قرابة العشرين دقيقة، الخرائط وكأن (ركبها عفريت من الجن)، ففصلت البلوتوث وشغلتها على الهاتف، فهدأت نفسها وبدأت ترشدني للطريق. توجهت باتجاه مقر عمل هبه وقررت أن أجلس في أي مقهى هناك، وصلت المقر وشعرت بعدم الاطمئنان، فلا توجد أي إشارة بأنه مقر عمل، إنما مركز تسوق وتحته صيدلية نهدي كبيرة، أرسلت لها رسالة (هبه، إنت متأكدة من الموقع؟ تحته صيدلية نهدي كبيرة؟) لتجيبني بجملة واحدة (خليكي على اللوكيشن اللي أرسلتلك هوا)، حسنا، تبدو أنها تعرف ما تقول.

ذهبت لمقهى قريب، وتعذبت حتى أجد موقفا للسيارة، ولم أجد مكانا سوى على طاولة مشتركة شديدة الضيق، ولكن القهوة كانت ممتازة، جلست قليلا وذهبت لآخذ هبه، عند صيدلية النهدي. اتصلت بي لتسألني أين أنت؟ أبلغتها أنني عند صيدلية النهدي حسب الموقع الذي أرسلته لي، أبدت استغرابها حيث أنه لايوجد أي نهدي في موقعها، أرسلت لي موقعا آخر، ونعم، كما توقعتم، وكما نغزني قلبي، لم أكن في الموقع الصحيح، والموقع الآخر يبعد مسيرة ٥٠٠ عام، أقصد ثلاثين دقيقة.

نعم يا سادة، هذا ما حصل. تسلحت بالصبر والحلم، فهذه الأمور تحصل، أنا نفسي فعلتها في آخرين قبلا، فلاداعي للدراما، ولنقد السيارة ونذهب لأخذ هبه من موقعها الجديد، أو القديم لا أعلم، تشابه البقر علينا، أو لعله النهدي هو السبب، يبدو أنني أبحث عن كبش فداء.

أخذت هبه ولازال قلبي أخضر ويرغب بقضاء وقت ممتع. قالت لي أن واجهة الرياض تبعد ١٠ دقائق من الفندق، والمكان جميل ويحوي الكثير من خيارات الطعام حيث أننا كنا حقيقة نريد وجبة لذيذة. ونحن نسير، اقترحت هبه أن نذهب للمركز المالي حيث أن هناك خيارات أكل لذيذة، وحسب الموقع في هاتفها هي، المكان على طريقنا للفندق، تسلحت بكل التفاؤل، ووافقتها، فلنذهب.

للأسف، قمت بتفويت مخرج، وللتصحيح، واتباعا لخرائط جوجل، أخذت منعطفا آخر، لأجد نفسي في مفترق طريق مزدحم. حسب ارشادات جوجل، يجب أن أذهب لأقصى اليسار لأعود في الاتجاه المعاكس، وهناك إشارة متفرعة، فوجدت نفسي في منتصف الطريق، أرغب بالذهاب لأقصى اليمين والسيارات وراءي غاضبة من رعونتي وأنا متمسكة بموقفي بالذهاب لليمين، حتى وجدت أمامي دورية ورجل مرور قام بتصوير فعلتي الشعناء التي والله لا أعلم للآن رأسها من قدمها، وأمرني بالتوجه لليمين، كمواطنة صالحة، توجهت لليمين، وانتظرت رجل المرور ليأتي ويعطيني محاضرة، زائد مخالفة.

وانتظرت،

وانتظرت،

وانتظرت وطال انتظاري، و،أصبحت في حيرة شديدة من أمري. رجل المرور لا يبدو عليه أنه يراني، ولكن هل هذا يعني أن أرحل؟ ماذا إذا كان يريدني أن أظل واقفة؟ يا الله ما هذه الحيرة؟ ما الحل؟ استخرنا الله أنا وهبه بعد حوالي الربع ساعة، وقررنا الرحيل، هذه المرة باتجاه الفندق، وتناولنا عشاء لذيذا بمكان قريب منه، وحمدنا الله، ولازلت بانتظار المخالفة، وأشياء وبشارات أخرى لعلي أسرفت في رسمها وتوقعها، ولكن الله كريم.

ولازلت في الرياض، ونعم، مستمتعة بوقتي، رزقني الله وإياكم قلوبا خضراء منتعشة دائما.

هتون،

٦/٨/٢٠٢٤