ها قد مرت الأسابيع يا فرودتي الحبيبة، يا من اشتقت لها شوقا أعجز عن وصفه، في مكانك لا أظنك تعدين الأيام، ولعل عالم البرزخ الذي أنت فيه الآن أيامه وساعاته ليست كما نعد ونحسب. لا أدري، ما أنا واثقة منه تماما وهذا ظني برب العالمين وظنك أنت يا حبيبة ربها وعاشقة نبيه، أنك في مكان جميل وبارد وبهي، أنت هناك جميلة كما عشت وكما رحلت. وحقيقة، ما حاجتك في مكان ارتقاءك لعد الأيام وحساب الساعات والسنين والأشهر؟ نحن نفعل ذلك لأننا ننتظر شيئا. ننتظر آخر الشهر لنقبض رواتبنا، آخر اليوم لنعود لمنازلنا ونرتاح، آخر الأسبوع لنلقى أحبة ونجتمع بهم، ننتظر رمضان لنصومه ونقوم ليالية، والعيد لنحتفل ونتبادل الهدايا،دائما هناك عمل وترقب، لكن هناك؟ لا عمل، فقط حصاد، ولعله لقاء أحبة سبقونا وأنت يا حبيبتي سبقك كثيرون، والدك ووالدتك، شقيقيك الحبيبين عبد الباري وعبد الجليل، أعمامك وأخوالك والكثير من أحباءك، أنت الآن فعليا تلقين الأحبة.
لكن ماذا نفعل نحن بإحصاء الأيام؟ أتعلمين أنك اليوم أكملت أربع أسابيع كاملة مترقية عند رب العالمين؟ يا لها من أسابيع طوال عجاف. إذا كنت أنت في لقاء أحبة، ماذا تراه من فقد الأحبة فاعل؟ ترقب آخر الأسبوع والذي كان لقاءك فيه هو لب الموضوع وجوهره، كيف هو الآن بدونك؟ أأخبرك أنه بارد باهت لا طعم له؟ هل هو حقا كذلك؟ أتعلمين، وأرجوك ألا تغضبي مني، رحيل جسدك لم يصحبه رحيل روحك، وأنت تعلمين جيدا بهاء روحك وقوة حضورك. روحك يا حبيبتي هي من يلون اجتماعاتنا في أي مكان كنت تزينينه بطلتك الأنيقة وحديثك الحماسي وأطباقك اللذيذة. والله ثم والله، لازلت أشعر بحرارة وجودك. هل هو جبر رب العالمين حتى نترضى ونتصبر؟ لعله كذلك، وهذا ما يجعلني أتسائل أكثر، رغم أنني بإذن الله راضية ومسلمة بقضاءه وقدره تعالى، لماذا في المرة الوحيدة حتى الآن والتي زرتيني فيها في المنام فعلت أنا ما فعلت. مرة أخرى، لا تغضبي مني وتقولي لي كعادتك “أصلا إنت دايما مجنونة”، ولكن أنا حقا لا أعرف لماذ تصرفت بهذه الطريقة. رأيتك وكأننا في مكان سفر، وهناك دلالات بأنه سفر طويل، رأيتك بنفس الصورة التي كنت عليها قبل ترقيك، لعلك أصغر قليلا في العمر، وفي اللحظة التي رأيتك فيها، قلت بكل اللوعة التي أشعر بها “ماما من جد إنت هنا؟ إنت حية ما متي؟ من جد؟ إنت حية؟”، نعم كنت ملتاعة، كنت وكأني غريق يتمسك بقشة، ولم يعجبك ذلك. نظرت لي تلك النظرة المعاتبة التي أعرفها جيدا، وأكملت طريقك. وأنا ازددت لوعة.
فريدتي، أقسم بالله أنني راضية، كلنا راضون، ونعلم أنك في مكان أفضل.ولكن سامحينا إذا كانت قلوبنا ممزقة من فقدك. أكنت تتوقعين أن يمر رحيلك مرور الكرام؟ هل كنت تتوقعين أنها مسألة ثلاثة أيام عزاء ثم ينتهي كل شئ ونكمل حياتنا كأن شيئا لم يكن؟ لا يا حبيبتي، لا يا فقيدة روحي، أنت أغلى من ذلك، بكثير، والله بكثير، وإن كنت لا تعزين على ربك، وهو وحده من وعدنا بالدرجات العلا إذا صبرنا على مصيبة الموت، هو من خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، ونسأله تعالى حسن الأدب معه تعالى. لا نقول يا الله إلا ما يرضيك، إنا لله وإنا إليه راجعون، هم السابقون ونحن اللاحقون، والحمد لله على قضاءه وقدره وجميل صنعه.
هتون،
الخميس، ٩/١١/٢٠٢٣