أهلا وسهلا أعزائي القراء، كيف أنتم؟ كيف هو مزاجكم؟ ماذا يفعل الحر معكم؟ كمكية عتيدة ولدت ونشأت في مكة المكرمة، من المفترض بأن جلدي قد اعتاد الصهد وأنني إن لم أحب الحر، فأقلها أن لا اتفاجأ به كل عام وكأنني في حياتي لم تلفحني شمس الظهيرة ولم تمر علينا أيام كنا نرى غمامة الحر تغطي السماء وتحجب أي نسمة، ولكن هيهات أن اتعود. كل عام وفي مثل هذا الوقت من شهور الصيف، أشعر أن الحرارة تستهدفني شخصيا وتعكر مزاجي واغتاظ أكثر من أحاديث ارتفاع حرارة الأرض، لأنني أكاد أجزم أن كل هذا الحر رأيناه مسبقا وعايشناه ولا جديد فيه بتاتا، على الأقل بالنسبة لنا في هذه البقعة من المعمورة. حقيقة أود أن أقابل شخصيا كل من كان يتذمر من الشتاء وأدعوه لقضاء ثلاث دقائق في شمس الظهيرة في مكة المكرمة حتى يعود معتذرا ويستغفر ربه عما اقترفه، وتا الله إنه لكبير.
وأخيرا وبعد أكثر من سنتين، أخذت إجازة من عملي. نعم إجازة، ذاك الوقت المستقطع والذي يحق لك فيه كموظف أن تمارس اللاشئ. والله لقد نسيت كيف يأخذ الناس إجازة، فبخلاف العيدين قضيت الصيفين الماضيين في العمل، ونويت هذا العام أن آخذ إجازة مطولة أقلها شهر كامل، إلا أن هذا الشهر تقزم لأسبوعين، ولعل الله أن يبارك فيهم وأن يلهمني الاستمتاع والانفصال عن أي واقع.
بعد هذه المقدمة المشبعة بأجواء الإجازة، والتي أقضيها في الجنوب التركي كما اعتدت في السنوات التي سبقت كورونا، إلا أن المفارقة هي بأننا وصلنا عن طريق مطار بودروم، تلك الوجهة السياحية التي تم اكتشافها حديثا وأصبحت عنوانا للرقي فتكأكأ عليها السواح في محاولات للاستكشاف وللحاق بركب مؤثري وسائل التواصل والانضمام لقائمة زائري الأماكن فور اكتشافها. وطبعا المفارقة هي بأننا نزور بودروم باستمرار منذ عام ٢٠١٦، وأحد الفنادق الذي نزلناه في نفس العام كلف في الليلة على ما أذكر أقل من ١٠٠٠ ريال، وحين راجعت الأسعار الآن وجدتها تضاعفت مرتين. وفي السنوات التي تلتها كنا نذهب لبودروم لزيارة مرساها الراقي المسمى (يالي كواك)، والذي أصبح الآن محط الأنظار وحيث يجب للمرء أن يكون. اعترف بأنه راودتني رغبة لا تقاوم بالهياط🤣، فرغم أننا لا نية لدينا للبقاء في بودروم وسننتقل مباشرة لمدينة كوشاداسي التي تبعد عنها مسيرة أقل من ساعتين بالسيارة، إلا أننا خططنا أنا وشقيقتي لأن نستغل سويعات المطار لعمل ريمكس من صور قديمة ونضع عليها عبارات (ما أحلى العودة لبودروم😍) ونشارك الصور من المطاعم والكافيهات حتى يعرف كل العالم أننا سباقون في هذا المضمار وأن جديدهم و (هباتهم) هي ما اعتدنا عليه ونفعله بصمت المعتادين. وأبشركم بأننا نسينا كل المخطط ولم نتذكر حتى وصلنا كوشاداسي، وحسبي أن قرائي الآن يعرفون أنني سباقة وانفلونسر من يومي. فامدحوني رجاء.
رغم أنني أشعر بالارتياح في أول أيام الإجازة، إلا أن عقلي الغير هادئ (وزني) للتفكير في شعور لا يبرح أن يزورني بين الفينة والأخرى؛ شعور الإحباط. وما يغيظ في الموضوع هو أن هذا الشعور والذي اعتدت على أن أتعامل معه كأحد الأمور التي لا سيطرة لي عليها ولا أملك تجاهها إلا التسليم، إلا أن عقلي أحيانا يخدعني فتتصارع نفسي المنطقية المحبطة مع نفسي المتوقدة والمليئة بالحياة فتغلبها المتوقدة وتجعلها تعيش فترة يخالها بأن المستحيل قد يغدو ممكنا وبأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس وكل هذه الشعارات المخدرة، إلا أن المنطقية المحبطة تعلن انتصارها، ويتحتم علي وقتها التعامل مع خيبة الأمل مرة أخرى. فيسائلني عقلي بعدها، هل إحباطك يا هتون من بعض الأمور هو فقط جدار حماية حتى لا تجربي أكثر ولحماية نفسك من الخيبة وشعورها المؤلم؟ هل فعلا وصلت لمرحلة التشبع والمرور بكل الاحتمالات حتى تعلني إحباطك؟ أوليس من الأفضل أن توطني نفسك على التعامل مع خيبة الأمل بدل الجنوح للإحباط؟ قد أكون بكلماتي هذه أنسف جهود التنمية البشرية كلها وأعلن على مرأى ومسمع من كل من يقرأني بأن الإحباط شعور وحالة موجودة ومقبولة وبأنه لو كانت كل الأمور بيدنا ونجذبها لأنفسنا لفسدت الأرض ولكن ما نحن إلا كائنات ضعيفة يصيبنا ما يصيبنا وتتقلب علينا الدنيا ونخطط وتتزعزع خططنا ونقرر ويريد الله خلاف ما أردناه، ولكل واحد منا طريقته في التعامل مع الأمور. وكما أخبرتكم سلفا، هذه مساحة سرية، نتشارك فيها ما نتشارك دون أحكام، وحين أقول بأنني محبطة هذا لا يعني أنني تعيسة، هي مجرد حالة من المفيد الاعتراف بها ومحاولة التفكر فيها بدل إنكارها. ولا تدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. حقيقة لا أدري ماهي نوعية المزاج الذي يتحدث عن الإحباط في الإجازة، وما هو هدفي من تدوينة بدأتها بموضوع ووسطتها بموضوع وأنهيها الآن نهاية محبطة؟ أيضا لا شئ، هذه مساحتي الآمنة الخالية من الأحكام.
عموما، ساستمتع بالإجازة، وأنتم كذلك، اشحنوا طاقة فوراءنا عجلة تنمية وإن لم تتعطل بإجازتنا، إلا أننا سندفعها بفعالية أكبر حين نعود منتعشين ومشحونين بالطاقة، ودمتم.
هتون قاضي،
٢٣/٧/٢٠٢٣، كوشاداسي، تركيا