خلاصة RSS

Monthly Archives: جويلية 2023

هل أخذتم إجازة؟

أهلا وسهلا أعزائي القراء، كيف أنتم؟ كيف هو مزاجكم؟ ماذا يفعل الحر معكم؟ كمكية عتيدة ولدت ونشأت في مكة المكرمة، من المفترض بأن جلدي قد اعتاد الصهد وأنني إن لم أحب الحر، فأقلها أن لا اتفاجأ به كل عام وكأنني في حياتي لم تلفحني شمس الظهيرة ولم تمر علينا أيام كنا نرى غمامة الحر تغطي السماء وتحجب أي نسمة، ولكن هيهات أن اتعود. كل عام وفي مثل هذا الوقت من شهور الصيف، أشعر أن الحرارة تستهدفني شخصيا وتعكر مزاجي واغتاظ أكثر من أحاديث ارتفاع حرارة الأرض، لأنني أكاد أجزم أن كل هذا الحر رأيناه مسبقا وعايشناه ولا جديد فيه بتاتا، على الأقل بالنسبة لنا في هذه البقعة من المعمورة. حقيقة أود أن أقابل شخصيا كل من كان يتذمر من الشتاء وأدعوه لقضاء ثلاث دقائق في شمس الظهيرة في مكة المكرمة حتى يعود معتذرا ويستغفر ربه عما اقترفه، وتا الله إنه لكبير.

وأخيرا وبعد أكثر من سنتين، أخذت إجازة من عملي. نعم إجازة، ذاك الوقت المستقطع والذي يحق لك فيه كموظف أن تمارس اللاشئ. والله لقد نسيت كيف يأخذ الناس إجازة، فبخلاف العيدين قضيت الصيفين الماضيين في العمل، ونويت هذا العام أن آخذ إجازة مطولة أقلها شهر كامل، إلا أن هذا الشهر تقزم لأسبوعين، ولعل الله أن يبارك فيهم وأن يلهمني الاستمتاع والانفصال عن أي واقع.

بعد هذه المقدمة المشبعة بأجواء الإجازة، والتي أقضيها في الجنوب التركي كما اعتدت في السنوات التي سبقت كورونا، إلا أن المفارقة هي بأننا وصلنا عن طريق مطار بودروم، تلك الوجهة السياحية التي تم اكتشافها حديثا وأصبحت عنوانا للرقي فتكأكأ عليها السواح في محاولات للاستكشاف وللحاق بركب مؤثري وسائل التواصل والانضمام لقائمة زائري الأماكن فور اكتشافها. وطبعا المفارقة هي بأننا نزور بودروم باستمرار منذ عام ٢٠١٦، وأحد الفنادق الذي نزلناه في نفس العام كلف في الليلة على ما أذكر أقل من ١٠٠٠ ريال، وحين راجعت الأسعار الآن وجدتها تضاعفت مرتين. وفي السنوات التي تلتها كنا نذهب لبودروم لزيارة مرساها الراقي المسمى (يالي كواك)، والذي أصبح الآن محط الأنظار وحيث يجب للمرء أن يكون. اعترف بأنه راودتني رغبة لا تقاوم بالهياط🤣، فرغم أننا لا نية لدينا للبقاء في بودروم وسننتقل مباشرة لمدينة كوشاداسي التي تبعد عنها مسيرة أقل من ساعتين بالسيارة، إلا أننا خططنا أنا وشقيقتي لأن نستغل سويعات المطار لعمل ريمكس من صور قديمة ونضع عليها عبارات (ما أحلى العودة لبودروم😍) ونشارك الصور من المطاعم والكافيهات حتى يعرف كل العالم أننا سباقون في هذا المضمار وأن جديدهم و (هباتهم) هي ما اعتدنا عليه ونفعله بصمت المعتادين. وأبشركم بأننا نسينا كل المخطط ولم نتذكر حتى وصلنا كوشاداسي، وحسبي أن قرائي الآن يعرفون أنني سباقة وانفلونسر من يومي. فامدحوني رجاء.

رغم أنني أشعر بالارتياح في أول أيام الإجازة، إلا أن عقلي الغير هادئ (وزني) للتفكير في شعور لا يبرح أن يزورني بين الفينة والأخرى؛ شعور الإحباط. وما يغيظ في الموضوع هو أن هذا الشعور والذي اعتدت على أن أتعامل معه كأحد الأمور التي لا سيطرة لي عليها ولا أملك تجاهها إلا التسليم، إلا أن عقلي أحيانا يخدعني فتتصارع نفسي المنطقية المحبطة مع نفسي المتوقدة والمليئة بالحياة فتغلبها المتوقدة وتجعلها تعيش فترة يخالها بأن المستحيل قد يغدو ممكنا وبأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس وكل هذه الشعارات المخدرة، إلا أن المنطقية المحبطة تعلن انتصارها، ويتحتم علي وقتها التعامل مع خيبة الأمل مرة أخرى. فيسائلني عقلي بعدها، هل إحباطك يا هتون من بعض الأمور هو فقط جدار حماية حتى لا تجربي أكثر ولحماية نفسك من الخيبة وشعورها المؤلم؟ هل فعلا وصلت لمرحلة التشبع والمرور بكل الاحتمالات حتى تعلني إحباطك؟ أوليس من الأفضل أن توطني نفسك على التعامل مع خيبة الأمل بدل الجنوح للإحباط؟ قد أكون بكلماتي هذه أنسف جهود التنمية البشرية كلها وأعلن على مرأى ومسمع من كل من يقرأني بأن الإحباط شعور وحالة موجودة ومقبولة وبأنه لو كانت كل الأمور بيدنا ونجذبها لأنفسنا لفسدت الأرض ولكن ما نحن إلا كائنات ضعيفة يصيبنا ما يصيبنا وتتقلب علينا الدنيا ونخطط وتتزعزع خططنا ونقرر ويريد الله خلاف ما أردناه، ولكل واحد منا طريقته في التعامل مع الأمور. وكما أخبرتكم سلفا، هذه مساحة سرية، نتشارك فيها ما نتشارك دون أحكام، وحين أقول بأنني محبطة هذا لا يعني أنني تعيسة، هي مجرد حالة من المفيد الاعتراف بها ومحاولة التفكر فيها بدل إنكارها. ولا تدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. حقيقة لا أدري ماهي نوعية المزاج الذي يتحدث عن الإحباط في الإجازة، وما هو هدفي من تدوينة بدأتها بموضوع ووسطتها بموضوع وأنهيها الآن نهاية محبطة؟ أيضا لا شئ، هذه مساحتي الآمنة الخالية من الأحكام.

عموما، ساستمتع بالإجازة، وأنتم كذلك، اشحنوا طاقة فوراءنا عجلة تنمية وإن لم تتعطل بإجازتنا، إلا أننا سندفعها بفعالية أكبر حين نعود منتعشين ومشحونين بالطاقة، ودمتم.

هتون قاضي،

٢٣/٧/٢٠٢٣، كوشاداسي، تركيا

القيادة الفعالة وبخاخ الكلوروكس

أسعد الله أوقاتكم بكل الخير أعزائي القراء. كيف هي أحوالكم؟ وكيف هي فعاليات العيد معكم؟ عن نفسي فأنا ولله الحمد في حال جيد جدا وليس ممتازا، وذلك لأنني اكتشفت بأن عاملتي المنزلية هداها الله لم تبلغني بوجود قطعة كاملة من كبد الأضحية موجودة في الثلاجة، وطبعا حين اكتشفتها كانت قد فسدت تماما، وهذا لعمرك هو الهدر الكبير، فالكبد الطازج لمن يحبه هو من ألذ أطباق العيد، وقد حسبت أنه ذهب مع ثلث الصدقة في حين أنها لسبب لا أعلمه خزنته في الثلاجة، ولأنني هذه الأيام سيدة منزل فقط، فهذا الاكتشاف هو أمر جلل. وما زاد الطين بلة هو أن هذا الاكتشاف جاء نواة لاضطراري للعمل المنزلي بعد أن أخذت العاملة إجازة عيد مفتوحة، مما اضطرني للقيام بالأعمال المنزلية والتي من المعروف لمن يقرأني ويشاهدني منذ ردح من الزمن أنني أكرهها كرها شديدا.

نعم، أنا استخدم لفظ الكراهية رغم أنه شعور قوي جدا، ولكنني لا أجد وصفا لحالي مع الأعمال المنزلية سوى الكره. يعلم الله أن كل مشي في سبيل العمل المنزلي هو وعثاء وكدر، وكل انحناءة هي استهلاك للرصيد العضلي الذي أبنيه بالتمارين الرياضية عالية ومتوسطة الشدة، وكل ملء وتفريغ لماء التنظيف أسكب معه لعنات صامتة لهذا العمل الكريه الذي لا تستقيم الحياة دونه. الغريب في الموضوع هو أن هذا العمل له محبين وعشاق. قد يعتقد البعض بأن العاملات المنزليات حتما يكرهن العمل لولا الاضطرار، ولكن كثير منهن يرونه جزءا طبيعيا من الحياة ويمارسنه بمزاج. وهناك سيدات منزل يعشقن التنظيف والكنس والمسح والفرك، ويبتكرن الأساليب لتلميع التحف وتنظيف الأجهزة ودعك وشطف الأدوات الصحية في الحمامات، وحقيقة أجد نفسي أغبطهن وبشدة على هذا الشعور. أتخيل نفسي وأنا اتجه بابتسامة عريضة نحو المكنسة وكأنني ذاهبة لموعد غرامي، واتعامل مع المنظفات كتعاملي مع أرقى العطورات الشرقية، واهتم بكي وطي الملابس وكأنني أجهز ملابس العيد، والله كان حالي سيكون أفضل مما أنا فيه. ولكن هيهات. أيام الابتعاث وحين لم تكن عندي عاملة منزلية مقيمة، كنت أقوم بتكنيكات حتى أتمكن من السيطرة على وضع البيت والتأكد من نظافته الدائمة. كنت استيقظ باكرا وأوقظ الأولاد ليتناولوا إفطارهم والذي خلاله أقوم أكرمكم الله بتنظيف الحمامات وتعقيمها قبل أن انتقل لترتيب الغرف والتي كنت أشرك فيها الأولاد بقدر ما يسمح به عمرهم، واتأكد من تنظيف وترتيب الصالة وأن المقاعد والأدوات في أماكنها، كل هذا حتى لا أعود للمنزل وأجده مكركبا وغير نظيف فيضيق صدري وتنتابني رغبة عارمة بالهرب، وكنت استعين بعاملة تأتي قدر استطاعتها لتنظف وتنفض ما لا يسعني تنظيفه خلال وقتي المحدود في البيت، وكنت دائما أصبر نفسي أنه وضع مؤقت، وأنني بإذن الله لن اضطر له أبدا.

لقد جربت كل الأساليب لأحب هذا العمل. جربت تقنيات fake it until you make it (ادعي حتى تتقن) وفشلت، قررت أن أسمع أغاني المفضلة وبرامج البودكاست ووجدت أنني بدأت أكره المنتجات السمعية تلك لارتباطها بالعمل الذي أبغض، جربت تسهيل العمل على نفسي باستخدام أدوات التنظيف السهلة ومكنسة البخار ولم يزدني ذلك إلا غيظا وكدرا، فماذا عساي أفعل؟ وما يرفع ضغطي أكثر وأكثر هو أي حوار يمجد فيه العمل المنزلي، لدرجة أنه دار حوار بيني وبين أحد الأشخاص عن خطبته لامرأة ومن ثم فسخها. وحين سألته عن الأسباب، قال لي بأنها لا ترغب بالعناية بالمنزل. سألته وكيف ذلك؟ قال بأنها أعربت عن عدم رغبتها بتنظيف المنزل. وطبعا ونظرا لحقدي الأزلي على هذا العمل وجدت رأسي يفور والمنطق يهرب مني، وببساطة قلت له، هل تتخيل إنسانة اجتهدت على نفسها وعملت على تطويرها وترغب ببناء علاقة صحية مع شريك محتمل فتجده بدل أن يناقشها في علاقتهم الزوجية وديناميكيتها المحتملة وعن نظرتها للحياة من ناحية عاطفية ومالية وأسرية، تجده يقول لها هل ستكنسين وتمسحين وتنفضين الغبار😤؟ قلت له أن العناية بالمنزل لا تستوجب العمل باليد بالضرورة، بل بالحرص على نظافته وجعله سكنا جميلا ومريحا بأي وسيلة تراها هي مناسبة، والتي من ضمنها الاستعانة بالعاملات وشركات التنظيف العميق، وواجب الزوجين هو خلق بيت جميل ومريح بهي الطلعة زكي الرائحة يرتاحان فيه لا يشقيان بالعمل والجري. ألا تعلم عزيزي بأن القادة لا ينبغي لهم أن ينخرطوا بالعمل باليد؟ ألم يرد إلى علمك بأن صاحب الرؤية هو من يستطيع الاستعانة بفريق يساعده لتحقيق هذه الغاية ويكون هو مصدر توجيه وإلهام لهم؟ ألا ترى زوجتك المستقبلية قائدة وموجهة وتحت يدها فريق يساعدها ليكون بيتكم وفق رؤيتكم المشتركة؟ أما أن تقول لها (ست البيت الشاطرة تنظف بنفسها) فعادي أن تقول لك قاتل الله تلك الشطارة واذهب واخطب إحدى عاشقات هذا العمل واتركني في حالي. ولا أخفيكم أنني تمنيت له في نفسي زوجة تعاني من وسواس النظافة وتعقم كل شئ وإذا كنست البساط في اتجاه تمنعه من المشي عكسه حتى لا يفسد شكله، وتقوم بتنفيض الكنب إذا قام منه فيشعر بأنه ملوث وإن لم تقل له ذلك صراحة، وتمنعه من التمدد على السرير بعد أن رتبته لأن كل شئ عندها بمواعيد، وتخلق له المشاكل إذا ترك قطرات ماء وراءه على الحوض بعد أن استخدمه (بالمناسبة، لا تفعل ذلك، دائما تأكد من تنشيف الحوض بعد الاستخدام😬)، وقد تنقل متاعه للحمام الآخر في البيت إذا كرر نقيصة عدم إقفال معجون الأسنان بعد استخدامه (بالمناسبة أيضا، لا تفعل ذلك أبدا فالمنظر مقزز ومزعج حتى للزوجة الغير موسوسة😂).

الشاهد في الموضوع أن هذا العمل شاق وغير مفيد. يشبهه البعض بالتمارين الرياضية، وهذه إحدى أكبر الكذبات في التاريخ. فالعمل المنزلي يرهق ويتعب ولا يحرق الكثير من السعرات، إنما قد يضر بالجسم وذلك لاضطرار الشخص الذي ينظف للانحناء بطريقة غير صحية ولرفع بعض الأثقال بأسلوب قد يضر بالعظام والعضلات. وحقيقة مالم يحل الذكاء الصناعي معضلة الأعمال المنزلية فلن اعترف بفائدته، ومالم يتم اختراع بيوت تتنظف وتتعقم ذاتيا فلا زال أمامنا درب طويل لجعل هذا العالم مكانا أفضل للعيش.

ودمتم،

هتون قاضي