خلاصة RSS

Monthly Archives: جوان 2023

متلازمة الجاد المحترم

Posted on

أهلا وسهلا بكم أعزائي القراء في هذه التدوينة الجديدة. أم لعلي أقول سيداتي سادتي فقط عنادا فيمن يعتقد بأن تقسيم الكائنات البشرية لذكور وإناث هو فعل غير متسامح ولا يأخذ بعين الاعتبار الكائنات الأخرى والتي باتت تفرض أشياء عجيبة ما كان أحدنا يتصور أن يعاصرها، ولكن ما علينا، أفضل نداء “أعزائي القراء” لأنه عزيز على قلبي، فمن يقرأني في هذه المساحة الشبه مخفية هو بالتأكيد قارئ عزيز وشخص أثير 😍.

اليوم هو الجمعة، وتأتي هذه الإجازة الأسبوعية بعد أسبوع طويل حافل بالأحداث وبالتغييرات وبالأشياء الجديدة التي أحاول بكل ما أوتيت من قدرات بشرية استيعابها وهضمها والعمل بها. وأنا أخوض غمار كل هذه الأحداث، أذكر نفسي طوال الوقت بأهمية أن يكون ذهني حاضرا وأن استوعب كل الجديد وأن أظهر أمام نفسي أولا بصورة الشخص الواثق تماما والذي لا يشوبه إيمانه بنفسه شائبة. وإن كان كلنا يعلم بأنه من المستحيل على شخص أن يكون ملما بكل شئ وأن لا يكون في لحظات ضعفه الإنسانية مليئا بالتساؤلات ومشبعا باللايقين، إلا أنني أكاد أجزم بأن لا شئ أجده يسعفني ويساعدني حتى في أكثر المواقف صعوبة قدر الحس الساخر والفكاهة مني أنا شخصيا ومن الآخرين.

يا الله لكم أقدر الأشخاص السهلين البسيطين والذين يكسرون حدة المواقف الصعبة بالفكاهة. يا لجمال ذاك الشخص والذي تمكن بذكائه وحكمته من تبديد كل التوتر الذي ساد مكانا ما بسبب موقف محرج بتعليق ظريف مهذب جعل الجميع يضحك فيذوب كل ذاك التوتر ويتعاظم احترام هذا الشخص في نفوس الجميع. ولعل هذا يجعلني أتسائل، مالذي يجعل الأشخاص يترددون في إظهار هذا الجانب منهم؟ مالذي يجعل الشخص يقرن الاحترام وال”رزة” بالتجهم، أو على أقل تقدير بالابتسامة والتهذيب الباردين والذين يزيدون الحواجز بين الأشخاص؟ من قال بأن العبارات المنمقة والمعلبة تدل على الاحترافية والتهذيب؟ ألا تتفقون معي بأن الجدية، وأحيانا الاحترافية، الزائدين عن الحد قد تقرن بما نسميه passive aggression أو العنف السلبي؟

بعد الكثير من الحوارات والتساؤلات الهتونية بيني وبين نفسي، وجدت أنه أولا، ورغم اتفاق الجميع على شعورهم بالدفء والقرب من الشخص ذي الابتسامة الواسعة والحس الفكاهي الحاضر، إلا أن عبارات مثل “الضحك من غير سبب قلة أدب” والاعتقادات الراسخة بأن التبسط والضحك يذهبان الهيبة، بالإضافة للتخوف من أن يفهم الشخص بصورة خاطئة، كلها أسباب تجعل الشخص يمعن في الجدية ويصبح مهذبا بصورة متكلفة وباردة تجعل من الصعب الانفتاح له والثقة به. كما أنه حين ترتبط بعض المهن بضرورة الحفاظ على الهيبة وفرض النفوذ يمعن صاحبها في هذه الأمور فيصبح سمجا متكلفا ثقيل الظل لا يطيق الآخرون حضوره فيكتفون بالقليل من الكلام في حضرته، ويعتقد هو مزهوا بأن لا جديد لديهم يضيفونه فيعيش في قوقعته، لا هو انفتح للآخرين فسمعهم ولا الآخرون رغبوا بالتواصل معه، يا الله ضاق صدري من مجرد الفكرة😣.

بعد وقت طويل من التساؤلات، وجدت أن هناك مساحة ذهبية غير مكتشفة تجعلك إنسانا محترفا ومحترما وفي نفس الوقت مفعما بالإنسانية وقريب من الآخرين، وهي تلك المساحة التي تأخذ فيها عملك والمهام المنوطة إليك بجدية واحترافية شديدين، ولكن نفسك أنت لا تأخذها أبدا بذات الجدية. نعم أنت إنسان، تشعر وتتغير وتخطأ وتنسى، حين تأخذ هذه النفس البشرية الضعيفة بجدية كاملة فأنت ترهقها وتقتلها وتطلب منها مالا يحتمل، فحين يصدر من هذه النفس التي أفقدتها إنسانيتها أي خطأ أو نسيان سارعت بتعنيفها وتقريعها أو نسب الخطأ لآخرين أو للظروف، لكن نفسك المقدسة لا، يا الله يا لها من حياة صعبة تلك التي فرضتها على نفسك عزيزي السيد (جاد محترم).

القليل من المرح لن يضر، بعض التبسط وإعطاء الأمور حجمها الطبيعي ليس فقط لن يضر، بل سيزيد من مرونتك النفسية ويجعلك شخصا حكيما يزن الأمور بميزان واقعي فلا يعطيها أكبر من حجمها ولا يقلل من شأنها، ويجعلك تتسامح من نفسك الطبيعية التي تخطأ وتصيب، وتنسى وتحزن وتتكدر، والأهم من كل ذلك، سيجعلك ذلك شخصا دافئا يتمتع بثقة الآخرين ومحبتهم واحترامهم، وسنرتاح نحن من تلك المحاولات البائسة لفرض الاحترام والهيبة، ونعيش في تبات ونبات وننتج المشاريع والإنجازات.

ملحوظة: لست راضية أبدا عن آخر سطر فهو بائخ جدا، ولكن السجع ناجح😬

ودمتم،

هتون

١٦/٥/٢٠٢٣