خلاصة RSS

Monthly Archives: أوت 2016

ماذا حدث لذاك العصفور؟

Posted on

حقيقة لا أعرف كيف سأبدأ تدوينتي هذه. من عاداتي الكتابية عدة الإستعانة بالمسودات، فبالنسبة لي ما لم تكتب يدي المقال أو التدوينة دون توقف، فهذا معناه أن المقال متكلف و لن يصل لمبتغاه، لكن ما عساني أفعل و أنا أكتب عن أكثر وسائل التواصل قربا لقلبي و من كمبيوتر محمول جديد لم  أستوعب بعد تركيبته “الكيبوردية”؟المهم، سأحاول قدر المستطاع و أتمنى أن لا تطيش يداي و أقلب الحروف و أحضر العيد.

بدأت دخول عالم التواصل الإجتماعي مثلي مثل أي مواطن عادي، عن طريق الفيسبوك. أنشأت صفحتي المتواضعة على الفيسبوك أو ما يسمى مجازا “الفيس” عام ٢٠٠٧ و قد حوت صفحتي الكثير و الكثير من الذكريات و اللحظات الجميلة و التي كانت تشارك بحرص مع عدد محدود جدا هم “الأصدقاء” بمعناهم الحرفي و المعنوي. فلا أذكر أن كان في صفحتي الفيسية المتواضعة أي غريب، و رغم لك كنا نحرص فقط على مشاركة ما لا نخشى انتشاره، فلا أذكر أن نشرت صورة لي بدون الحجاب رغم معرفتي بإمكانية تحديد من يرى الصورة و من لا يرى، لكن كان الحرص أولى ،رغم ذلك كنا نسمع الكثير من الإنتقادات عن غياب الخصوصية و خلاف ذلك، لكن ظل الفيسبوك تطبيق شديد الحميمية و شديد الألفة مقارنة بما حدث بعد أن تركنا حميميته عنوة و خضنا غياهب التويتر. أنشأت حسابي في تويتر عام ٢٠٠٩ و لكن لم أبدأ باستخدامه فعليا سوى في أواخر عام ٢٠١١ بعد الثورات العربية و بعد أن انطفأت جذوتها و بدأ الناس بترقب النتائج و الثمار. دخلت هذا العالم المفتوح على استحياء فلم أكن أعرف أحدا و لم يكن أحد يعرفني، حسابي كان مربوطا بفيسبوك، فقد كنت حينها أكتب التغريدات في تويتر و أستقبل التعليقات و التفاعل في فيسبوك، و أذكر أنني طرت فرحا حين استقبلت أول ريتويت، و شعرت بالفرح و الأهمية و بأن علي مسؤولية تجاه جماهيري العريضة التي كانت عبارة عن ٥٠ متابعا. وقتها أنشأت هذه المدونة المتواضعة و نقلت فيها كتاباتي التي كنت أشاركها في فيسبوك و عندها “زهزه” الحساب و استقبلت أول ١٠٠٠ متابع بزهو يضاهي زهو الطواويس، و كونت صداقات تويترية تدوينية لا زالت قائمة للآن. كان تويتر عالما منوعا، فلن أتباكى على الأطلال و أقول بأنه كان جميلا و مثاليا وقتها، كان العنصريوون موجودون بكثرة، فأنا لم أتعرف على مصطلحات (قبيلي/خضيري/٠٧/طرش بحر/١١٠/٢٢٠) سوى من تويتر. إلا أن حراك الشباب وقتها كان جميلا و باعثا للأمل، كانت البرامج اليويتيوبية الشبابية في أوجها و كانت أغلب النقاشات تدور حولها. فما أن ترفع الحلقة الجديدة من على الطاير، التاسعة إلا ربع، أيش اللي أو لا يكثر إلا و تجد تويتر قد اشتعل و احتدم النقاش و الذي إن لم يكن راقيا دائما إلا أن الأصوات العاقلة كانت غالبا تفوز. عام ٢٠١٢ انتشرت أول حلقة لي من برنامج “نون النسوة” إنتشارا فيروسيا، وقتها كان حسابي في تويتر لا يتوقف، عداد المتابعين قفز من ٢٠٠٠ متابع ل ١٠٠٠٠ في وقت قياسي ، كان منشني لا يتوقف و غالبية “المنشنات” كانت مشجعة و إيجابية، كانت الحياة جميلة و وردية رغم التعليقات السيئة في يوتيوب إلا أن تويتر وقتها كان جميلا حقا. بعد نزول الحلقة الثانية من نون النسوة و التي لم تكن بنفس مستوى الحلقة الأولى، إختبرت و لأول مرة معنى أن تهاجم في تويتر. فذاك المنشن الذي لم يكن يتوقف مدحا أصبح ينضح ذما و قدحا، كنت أقرأ المنشن و أختنق بدموعي، فأنا شخص مسالم بطبعي و لا أتوقع الذم الشخصي و الأذية و التي طالت شكلي و عائلتي و كرامتي. تجاوزت تلك المرحلة و لله الحمد و تعلمت التعامل مع السب و الشتم في وسائل التواصل، فطالما قبلنا بالظهور العلني فعلينا أن نتعلم بأن لا نتأثر بكل ما يقال، ليس علينا تربية الجميع، فإن لم نستطع إيقاف الشتم و السب بالوسائل القانونية بدون افتعال الدراما و التشكي و التباكي، فعلينا كما يقال بتبني سياسة “جلد التمساح” و التي تجعلك تسمع و تقرأ لكن لا تتأثر سلبا بطريقة تؤثر عليك بالذات إن لم تخطآ في حق أحد، و نتعلم أيضا بأن الظهور العلني معناه أن الخطأ مضاعف، فلا نتوانى عن الإعتذار العلني إذا أخطأنا و لا نتوقع أن يسامحنا الجميع، فتحمل مسؤولية الخطأ و عدم المكابرة من أهم خصائص أي شخصية عامة و تجعل احترام الشخص مفروضا على الجميع و ان كرهوا ما يقدم. أنتجنا و لله الحمد موسمين ناجحين من نون النسوة و لا زلنا في مرحلة كتابة و إنتاج حلقات الموسم الثالث، و لا زلت متواجدة في وسائل التواصل الإجتماعي ، إلا أنني لاحظت بأن تويتر أصبح مليئا بالقبح في الفترة الأخيرة. خلافا لما كان عليه الحال في السنوات الماضية، كانت الأصوات العاقلة هي التي تعلوا، و الغالبية كانت تجرم و تستنكر الشتم و السب و العنصرية، إلا أنه و في الفترة الأخيرة، أصبح قذف الأشخاص و ذمهم بذريعة الوطنية و الدين مبررة و غير مستنكرة. فأصبح من المعتاد أن تدخل تويتر و تجد شخصا ما و قد تمت”هشتقته” على تغريدات و مقالات كتبها قبل سنين طويلة، و المخيف أكثر أن لا يتجرأ أحد على استنكار هذا التنبيش حتى لا يطاله الطوفان الذي لا يبقي و لا يذر. فحتى بعد أن يتضح أن الهاشتاق أنشأه أحد الأطفال و الذي يبحث فقط عن الترند نظرا لشعوره بالملل من طول الإجازة، فلا أحد يتجرأ على محاولة إيقاف سيل الشتم و القبح و العنصرية حتى لا يتعرض لهجوم مضاد لا يبقي و لا يذر. في تدوينتي السابقة كتبت بأن شهر رمضان المبارك السابق كان الأسوأ على الإطلاق في تويتر، فلا يكاد يمر يوم إلا و تجد بأن أحد المغردين يتعرض لحملة شعواء و تتم محاسبته على تغريدات نسي هو نفسه بأنه كتبها، و يتم تبرير هذا السلوك المنافي لكل الأخلاق و الديانات بذرائع كالوطنية و الحفاظ على الدين و الأخلاق. والمرعب أكثر أن لا يتمكن أحد من فتح فمه إزاء هذه التصرفات، فمشكلة هؤلاء أن صوتهم مرتفع و لديهم القدرة على أذيتك عن طريق استعداء السلطات عليك و “تشييش” الناس ضدك. فإذا قادك سوء حظك لكتابة أي عبارة سارعوا بربطها بأي شخص “مهشتق” و تم اتهامك بالعمالة و الخيانة و تفغر أنت فاهك مصدوما من حجم سوء الظن و سهولة التخوين  و الذي أصبح ديدن تويتر، لم يعد العقلاء هم الغالبية إنما مرتفعوا الصوت و الذين على استعداد للإتيان بكل السفاسف و النقائص ثم يتشدقون بالوطنية و الحفاظ على الدين عن طريق التنمر و الأذية. يتميز هؤلاء بقدرتهم العجيبة على التطبيل و إظهار أنفسهم بمظهر الوطنيين الجهابذة، و يظهرونك أنت و الذي لا تجيد التطبيل و لكنك تعرف جيدا كيف تخدم وطنك عن طريق الإحسان في عملك و تربية أولادك على نبذ العنف و العنصرية بمظهر العميل الخائن، هكذا بكل سهولة و سيجدون طوفانا من الدعم من أشباههم.  قد نقول بأنهم لا قيمة لهم و أنه لا يصح إلا الصحيح، لكن لا نستطيع أن ننكر أن صوتهم العالي مؤذي و يجعلك تحت الأنظار. شخصيا أتجنب عادة التشكي، لكن ما حصل لي في الفترة الأخيرة جعلني أحذف تطبيق تويتر. لطالما تجنبت الحديث في السياسة لأنها لاتناسب شخصيتي فأنا بطبعي مسالمة و لا أحب تحليل الأوضاع و كشف المؤامرات، ، رغم ذلك لم أسلم من هذا الطوفان. أحد المغردين و الذي كان ديدنه السخرية مني كمقدمة برامج و الذي حظرته منذ زمن طويل حتى لا يصلني كلامه المؤذي، وجدته يستعدي علي السلطات و يحاول التنبيش بطرق ساذجة و غبية. لم أقل حينها سوى اللهم اشغلنا بطاعتك و لا تجعلنا سببا في أذية عبادك، أنا عادة لا أتدخل في آراء الناس، فإن لم أعجبك كمقدمة برامج فهذا شأنك وحدك و لن أحاول تغيير رأيك، أنت حر في التعبير عن رأيك فيما أقدمه و من حقي أن أحظرك حين تتجاوز و تصبح مزعجا، إلا أنني لن أحمل لك أي مشاعر سلبية فأنا لا يعجبني كل مقدمي البرامج أو كل الفنانين فأذواقنا مختلفة، لكنني لن أزعج الناس و “أنطنط”في صفحاتهم للتعبير عن رأي كل مرة ثم أغضب إذا حظروني، حتى بعد حظرك ستظل مجرد متنمر مزعج و أدعوا لك بالهداية، أما حين تستعدي عليا السلطات و تحاول أذيتي فحينها سأدعوا عليك و لن أسامحك، فأنا أولا أم لأولاد و إبنة لفضلاء و إذا “تبهدلت” بسببك فلن ينفعني أحد.

يكفي دراما لحد الآن فلا أحب نشر السلبية، لكن يحزنني أننا فقدنا تويتر، فهل سنستطيع استعادته أول على الأقل إعادة التوازن له؟

حقا آتمنى فلا زال عصفوري الأزرق الذي أحب، فأنا لست راعية تصوير و حسابي في انستجرام يشهد، أحب التواصل الكتابي و هذا ما يحققه لي تويتر، أتمنى أن يعلوا فيه صوت العقل و نستعيده من المؤذيين الفارغين. أعدت تثبيت البرنامج يوم تخرجي لأنني رأيت تنبيهات في البريد الإلكتروني تحمل تبريكات من المغردين، فوددت الرد عليهم و شكرهم، لأفاجأ بإحدى المغردات تهاجمني و تطلب مناظرتي لأنني حسب كلامها أخدم جهات أجنبية و أدعي زورا أن المرأة السعودية مهضومة الحقوق. اللهم لا حول و لا قوة إلا بك، حذفت ساعتها التطبيق سريعا و قررت أخذ إجازة منه، اليوم بعد التدوينة أشعر بأنني فعلا اشتقت له ، لنكثف الدعاء أن يهدي الله من خلق و أن يقينا من عثرات و زلات الجوارح و اللسان.

هتون قاضي،

٣/٨/٢٠١٦

كوشاداسي، تركيا

%d مدونون معجبون بهذه: