“مامااااااااااااااا فينك مرة أتأخرتي, ليش ما جيتي ألين دحين, نحن أتغدينا من زماااااااااااااان و مرة طفشانين, كان في مطرة حلوة هيا تعالي عشان نروح البحر نتمشى” اختنقت ماما بضحكة ساخرة و قالت لنفسها (كان زمااااااااااان و جبر, الآن وقت المطر و هدية ربنا الكريم اللي أرسل السماء علينا مدرارا لازم نندس و نخاف و نجهز مؤن و مخابئ) أصر الأخ بإلحاح ” ماما إيشبك ما تردي, قولي لي متى جية؟؟ ” سارعت ماما للإجابة على الهاتف “حبيبي ما أدري متى أجي, أنا و بابا يمكن ما نجي اليوم عشان الشوارع خطر, لازم نجلس في شغلنا لغاية ما تصير الشوارع كويسة” تعالت صيحات الأخ من الطرف الآخر للهاتف ” يا الللللللله يا ماما يعني حيصير زي ما صار أول و ننحبس في البيت, كيف كدة مو قالوا في التلفزيون خلاص صلحوا جدة” تختنق ماما بضحكة ساخرة أخرى و لكن تتمالك نفسها لتجنيب الأخ صدمة أخرى ” و الله حبيبي ما أدري, معليش إنتوا أقعدوا شطار و أدعوا ربنا إن شاء الله كل الناس يرجعوا طيبين” أنهت ماما المكالمة , أخذت تفكر فيما سيؤؤل إليه الحال (الله يستر من اللي جي, معقول نفس اللي صار السنة اللي فاتت بيتكرر, لا لا ضربتين في الراص مو توجع لأ ممكن تقتل) نظرت ماما حولها لنماذج مختلفة من البشر, جمعتها الأزمة و لا شئ غير الأزمة, فتحت المنشأة التي تعمل فيها أبوابها لكل العالقين في الشوارع ممن غرقت سياراتهم و تضررت منشآتهم جراء البناء الهزيل المغشوش, شاهدت ماما تدافع النساء و الأطفال و هم يهرعون بخوف ووجل للإحتماء بجدران المنشأة التي أراد لها الله أن تسلم من الأضرار ( الحمد لله يا رب على الأقل نحن محميين الله يستر على الناس اللي برة) جرت ماما مع الجميع للتحلق حول جهاز التلفزيون الوحيد الموجود بالمنشأة, بدأت إحدى السيدات بتقليب القنوات بحثا عن القنوات المحلية على أمل إيجاد مصدر موثوق للأخبار, كانت المحطات الرسمية تبث المعتاد من “استقبل وودع” و كانت القناة الإخبارية الرسمية تبث برنامجا عن الآثار و السياحة, أغلقت السيدة التلفزيون بحنق و التفتت لبقية السيدات ” يا جماعة زي ما انتوا شايفين, مافي أي خبر موثوق و مافي أي قناة بتغطي الوضع, شكلهم و الله أعلم قاعدين في لبن او ما يبغوا يغطوا الوضع, خلونا نتوجه لربنا إنه يكشف الغمة و نتعاون مع بعض لغاية ما ربي إن شاء الله يعدي اليوم دا على خير” أسقط في يد الجميع و لم يعد أمامهم سوى الإنتظار و الدعاء, لم تتوقف الهواتف عن الرنين “إيوة نحن بخير الحمد لله, أيش؟؟ لا حول و لا قوة إلا بالله لساعه عبد الله علقان على الكوبري من 6 ساعات؟؟ الله يسلمه عنده سكر و لازم ياكل” ” يا اللللللللللللله و كيفه الآن كويس؟؟ معقووووووووووول طاحت سيارته في النفق الجديد و النفق غرقان على الآخر؟؟ و كيف طلعوه؟؟ الحمد لله على سلامته هيا أذبحوا جمل” همهمت ماما ( يا كتر الجمال و الدبايح اللي حتندبح, حاشا و الله هذا مو من المطر, الوضع كأنه وضع حرب) “يا الللللللللللللله يا ربي كيف كدة صار؟؟ طيب قدروا يطلعوا الناس و لا البيت غرق باللي فيه؟؟ يا ربيييييييييييييييي يعني اللي جوة البيت خلاص راحوا” ” ها يا ماما قلتلك الحمد لله طيبة بس مرة طفشت, زي منتي عارفة شحن البي بي خلص و مرة ملل, خلاص لا تكلميني عشان شحن البي بي حق صاحبيتي حيخلص” تتوالى المكالمات و تنتشر الإشاعات ” يقولوا أنفجر السد الإحترازي و خرجت تماسيح مفلوتة على الأحياء القريبة” ” يقولوا الحيوانات أنفلتت من حديقة الحيوانات و بدأت تهجم على الناس في بيوتها” ” يقولوا الأمطار حتستمر لمدة أسبوع يعني حنبات هنا أسبوع, يا الله أبغى أروح البيت” ” أو ماي قووووود شكلنا حيصير فينا زي مسلسل لوست (المفقود) ” . توالت الساعات دون أمل بقرب إنفراج للأزمة, محاولات المسؤلات للإتصال بالدفاع المدني لم تكن تسفر عن الكثير من المعلومات, ما يحسب لهم هو التشديد على بقاء الجميع في مكانه و التحذير من النزول للشوارع (هيا على الأقل مو زي المرة اللي فاتت لما قالوا لنا إخلاء و رمونا في الشوارع). صعدت ماما و بعض زميلاتها للكافتيريا الوحيدة الموجودة في المنشأة ووجدت عددا من السيدات و قد شمرن عن أيديهن و بدأن بتقديم الطعام لكل الموجودات في منظر حضاري و جميل , وجهت ماما كلامها لزميلاتها ” الله يعطيهم العافية, من جد الأزمات تبين معادن الناس” . فجأة سمعت ضجة عنيفة في بهو المنشأة, ذهبت ماما بقلق لتستعلم عن ما يحدث, وجدت فافا تتجادل بعنف مع إحدى المسؤولات ” نوووووووووووووووو أنا ما أجلس هنا و لا دقيقة, آي هاف تو قو (لازم أروح) خلاص أنا مخنوقة” تجيبها المسؤولة و هي لا زالت محتفظة بهدوءها ” ما ينفع أحد يخرج, تعليمات الدفاع المدني واضحة, كل الناس لازم يلزموا مكانهم” تزمجر فافا بعنف ” أنا لازم أخرج, بابا أرسلي السيارة الهامر ووصلت, لازم أخرج و إلا حأكسر المكان, نو وي انا أجلس هنا مع كل هدولا الناس” تحادثها المسؤولة و قد بدأت تفقد هدوءها النسبي ” قلتلك ما ينفع تخرجي و انتهى الموضوع, الشوارع الكول حقتك كلها غرقانة باستثناء بعض المناطق البعيدة اللي عشان توصليلها لازم تمري بمناطق مهي كوول غرقانة على الآخر, تبغي تخرجي يعني تسبحي” تصرخ فافا ” أنا لااااااااااااازم أخرج, حأكلم بابا يرسلي هيلوكوبتر” تسارعها المسؤولة ” فافا سيبي التلفون و لا تكلمي أحد, ما عندنا مهبط هيلوكوبترو بعدين الهيلوكوبترات أولى تروح تنقذ الناس العلقانين في الكباري و الناس اللي بيوتهم غرقت على الآخر” تزمجر فافا و تصرخ ” لااااااااااااااااااااااااااااااااااااا أنا الآن بابا حيرسلي هيلوكوبتر و اللي يبغى يجي معايا يجي” ظن الجميع أن الموضوع مجرد غوغاء و انتهت, فجأة تناهى إلى سمع الجميع أصوات هيلوكوبتر قوية اهتزت لها أبواب و نوافذ المنشأة, شوهدت فافا و هي تجري ناحية الهيلوكوبتر مع القليل من زميلاتها و تصعد إلى الهيلوكوبتر بعد أن كسر في طريقه لإلتقاطها الأشجار الخارجية و مظلات السيارات, ركبت فافا وسط ذهول الجميع, حلقت الهيلوكوبتر بعيدا بعد أن تم تصويرها و كأنها مشهد أكشن في فيلم هزلي, تعالت صيحات الإحتجاج ” يا سلااااااااااااااااااااااااااااااااااااام ليش ست فافا هي اللي تخرج, طيب الحوامل و العجايز و الأطفال” ” أنا كمان بابا دحين يرسلي غواصة مو هيلوكوبتر” ” أو ماااااااااااااااي قود, ليش فافا هي اللي تركب الهيلوكوبتر, نوووووووو نوووووووووو عااااااااااا” حاولت المسؤلات تهدئة الوضع “معليش يا جماعة اللي حصل مالنا يد فيه, و نحن ما قصرنا معاكم ووضعنا الحمد لله أحسن من غيرنا, الدفاع المدني وعدنا يرسلنا باصات تنقل الناس بس بعد ما يهدأ الوضع في الشوارع, أرجوكم الموضوع بالأولوية, أول شئ الحوامل و الأطفال لغاية ما إن شاء الله نخلي الجميع و يوصلوا بأمان, ممكن ترتاحوا في أماكن كتير تريحوا فيها و ربي يسلم الجميع” استسلم الجميع و بدأوا يتهيأون للنوم على أمل وصول الباصات, قررت ماما المغادرة حوالي الساعة الرابعة فجرا مع زميلة لها في سيارتها الخاصة, طلبت من عبد الصبور تجهيز السيارة و خرجت و بدأوا بمحاولة البحث عن طريق سالك للعودة. في طريق العودة علق عبد الصبور ساخرا ” ههههههههههههه هذا بلد في مطر كله خربان, كل سنة في خربان, في بلد أنا كل يوم مطر هذا شارع كله ناشف, بلد إنت هذا كووووووول كله إغرق أحسن إنت إشتري جت سكي عشان كل سنة وقت مطر مافي نوم في شغل و مافي إحتاج سواق” كتمت ماما غيظها و انشغلت بالمناظر المروعة, منظر مدينة أشباح, سيارات في كل مكان و قد تركها أصحابها و فروا لمكان آمن من السيول الجارفة, طرق مهدمة و مكسرة و كأن المدينة قد تعرضت لقصف من عدو غاشم, منظر الطريق السريع و قد مال الشارع و تساقطت السيارات فوق بعضها و كأنه تعرض لقصف و زلزال في نفس الوقت. و صلت ماما بيتها و شكرت الله على فضله و نعمه و فتحت التلفزيون علها تجد ما يشفي غليلها لتجد القنوات الرسمية تعرض أغاني وطنية و برامج طبخ.
هتون قاضي
يناير 2011
شكراً لكِ..
بالتوفيق
ههههههههؤي”””””””””””””””””””زبي